القرآن قدسية لا تنتهي
جمع غفير من العامة على هذه المعمورة سمع وشاهد جليا ومن خلال وسائل الإعلام بأنواعها المختلفة المرئية والمسموعة وخصوصا في الآونة الأخيرة الهجمة الشرسة التي تعرض لها القرآن الكريم من تدنيس لكينونته المقدسة؛ وما تبع ذلك من أذى بالغ الأثر لمشاعر ملايين المسلمين من جميع بلدان العالم قاطبة، ولا شك أنني هنا لست مؤهلا ولا جديرا بما يكفي أن أخطَّ بعضًا من الكلمات تجاه هذا الحدث الجلل، والذي أردتُ من خلاله أن أسجلَ موقفا يُراد منه إظهارُ ما يجولُ بخاطري، وأن أعبّرَ عمّا تكنه مشاعري تجاه ما يتعرض له كتابُنا المقدس كتابُ اللهِ الأعظم من إهاناتٍ متكررة من شرذمة قليلة هم في حقيقتهم من فاقدي الصواب العقلي والمنطق الفطري، قد بدلت أحوالَهم أهواءٌ شيطانيةٌ زائلة وخاسرة بطبيعة الحال لا محال، فقد أقدم هؤلاء المنحرفون الطغاة على عمل شنيع تتفطر منه السماء، ويهتز له عرش الجبار جلت قدرته لما يحويه ذلك من أعمال مشينة وأفعال مخجلة ومواقف مخزية متجاهلين جميع القيم الإلهية التي جاء بها هذا الكتاب المنزه من قِبل ذات الله سبحانه وتعالى ضاربين عرض الحائط لكل ما يتفق مع المبادئ الأخلاقية للبشرية جمعاء على اختلاف مذاهبهم ومعتقداتهم وتوجهاتهم.
ولكن لهؤلاء نقول إن الله سبحانه وتعالى قطع دابر الكافرين المتكبرين والهالكين الخارجين على كل المبادئ والقيم الإنسانية بحفظ كتابه الأعظم وحمايته من عبث المارقين ونستدل على ذلك بقوله عز وجل: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ الحجر «الآية 9».
نعم إنّ المبصر والمتمعّنَ لهذا الكتاب الأجل الأعظم كتاب الله الأعلى يجد أنه كتاب تعهد الخالق بحفظه منذ نزوله على أشرف الخلق محمد بن عبدالله ﷺ حتى يومنا هذا مهما عبث العابثون وساء المسيئون بل تستمر تلك الحصانة حتى يرث الله الأرض ومن عليها ودليلنا في ذلك الأمر الصيغة الواضحة من خلال ما جاءت به الآية الكريمة أعلاه فاستبانت وانكشفت بعده الرؤية وظهر عظيم الإعجاز وتجلى عمق البيان.
عزيزي القارئ لو وددنا وارتضينا الصحبة سويا وحلّقنا في سماء المنطق والبيان ثم عُدنا على ضفاف تاريخ طويل، أحداثه شائكة ومعقدة لأناس كانت وما زالت أفكارهم وميولهم منحرفة حتى وصل بهم الحال لمحاربة الله ورسوله، وما شاهدناه مؤخرا من إقدام مقصود وتجرؤ على حرق المصحف الشريف يدل على أن هذه الفئة الضالة هي امتداد لتلك الحرب الشنيعة على الإسلام والمسلمين والتي هدفها الوصول لنتيجة تعد غاية لهذه الجماعات المعادية للأمة المسلمة لإحداث تصدع في البناء والنسيج الفكري والإيماني والعقائدي للمنظومة المجتمعية وللنشء اليافع من شباب وشابات في خضم عالمنا العربي والإسلامي.
نعم إنّها من أخطر الأمور التي يزين لها بعض دعاة تلك الاتجاهات المظلمة لتكون البديل الناعم والوردي من وجهة نظرهم للآدمي في هذه الحقبة للحياة المعاصرة؛ ولهذا ينبغي الانتباه لهكذا توجهات ولطرقها وأفكارها وأدواتها المتعددة وأنماط سلوكها والتعامل معها بالحكمة والعقل السديد والحذر الشديد لكي نتمكنَ من تفويت الفرص إزاء العبث بالهوية الإسلامية والوطنية من حفنة أشرار أخذوا على عاتقهم حرب صوبوها بكل ما أوتوا من إمكانيات نحو الإسلام والمسلمين لذلك تقع على عاتقنا مسؤولية شرعية ووطنية وأخلاقية كبيرة أمام أبنائنا حتى لا يكونوا يوما ما رهينة في دائرة تلك العاصفة الملوثة والمدمرة كما يتوجب أيضا تفعيل دور الصفوة من أصحاب الفكر الرزين والوعي السليم من أدباء وعلماء ومثقفين لينهضوا بواجباتهم الأخلاقية والقيمية المنوطة بهم ضمنا تجاه ديننا ووطننا وأجيالنا على حد سواء.
وهنا في واقع الأمر نتحدث ونسطر الكلمات من خلال مقالة تتطلب منا الالتزام بعدد محدد من المفردات وهذا ما تنص عليه عرفا محدودية هذا النوع من الكتابات على العكس تماما فيما لو كنت أجري حوارا أو مقابلة لتسنى لي ذكر الكثير من الأمور التي هي بمثابة عوامل مساعدة في ظل تلك الهجمة الشرسة على كتاب الله؛ وبالتالي يندرج تحت مصطلح عام وأكثر شمولية لنظريات لا ريب أنها أسست لظهور تلك الفئة الشاذة عن كل المبادئ والقيم المشتركة للإنسانية جمعاء، ولو اقتربنا أكثر وفتّشنا في صفحات الكتب لرأينا وقرأنا مجموعة من الأفكار والتوجهات والنظريات التي تنادي باللامعقول من المضادات الخبيثة تجاه التشريعات الربانية وكذلك للرسالة المحمدية الأصيلة كنظرية الجندر والتي مفادها على وجه الاختصار أنها تنادي بمجموعة من السلوك يتناقض وطبيعة الفطرة البشرية التي أوجدها الله تعالى كقوانين إلهية لا يمكن تجاوزها أو الحياد عنها على الإطلاق. يترتب على تبنيها إيجاد خلل في كيان الجنس البشري من حيث ضبط طبيعة كل من الذكر والأنثى والترويج لأفكار ما أنزل الله بها من سلطان ولا تمت للمنطق بصلة وعدم الالتزام بالخطوط الحمراء التي بينها سماحة الشارع المقدس بما يختص بدور الرجل والمرأة كلٍ فيما يعنيه في تسيير عجلة الحياة بمحددات ومعايير بيَّنها الخالق جلت قدرته بما يتناسب مع تكوينهما الفطري والعاطفي وبما يحفظ للطرفين كل ما يليق بإنسانيته وكرامته، ولا يمكن مزج الاختصاصات بطريقة تجعل النظام الاجتماعي أقرب لعالم البهائم أجلكم الله الذي يغيب عنه حكم المنطق والعقل والحجة والقانون؛ وبالتالي تعم الفوضى بطريقة لا يشعر بها مَن ابتعد عن قيمه ومبادئه؛ وبناء عليه لا خيار للتمسك بكل المعززات والعوامل التي جاء بها سماحة ديننا الحنيف، والذي ألبس شخص الإنسان لباس السمو والرقي والسيادة وعلو الشأن وأكسبه درجة الرفعة والشموخ وميّزه بالمجد والمهابة وكرّمه بالجاه والرزانة، وهذه كلها تحفظ للكائن البشري كرامته وحشمته واحترامه لذاته وعزة نفسه واكتمالا لعقله وشخصه.
ولذلك لم ولن نجد أعظم من الإسلام حَفظَ للآدمي - ذكرا كان أم أنثى - كرامته وصان إنسانيته، وكفل له جميع حقوقه وفضّله على سائر المخلوقات الأخرى مصداقا لقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ الإسراء الآية «70».
وبعد هذا السرد المتواضع وتقديم جزءٍ يسيرٍ من ذلك العداء المتعاظم والمتصاعد تجاه أمتنا الإسلامية ودستورها المقدس أي القرآن الكريم وما يتعرض له من واقع مرير من تجاوز شنيع ومستهجن ومخجل لا يستطيع العقل الآدمي أن يصف ذلك الفعل البغيض المملوء بأحقاد بغيضة من فئة وأناس مارقين متمردين تجاه الخالق تبارك وتعالى وخارجين من إطار الرحمة الإلهية باتباعهم تزيين الشيطان لهم بالإقدام على تلك المعاصي والمنكرات، وإن الله توعدهم بالقصاص يوم الحساب لما سولت لهم أنفسهم من إساءات بالغة بأشد أنواع العقاب قال تعالى: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَ?ذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ? وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ . سورة الكهف «49».
فمنذ بزوغ الإسلام وحتى يومنا هذا والمسلمون يتعرضون لحرب بلا هوادة والانتصار عليها لا يتحقق إلا من خلال بناء العقول لشبابنا وفتياتنا ويتجسد ذلك بالذهاب بعيدا تجاه الاهتمام البالغ بجعل أبنائنا مثقفين ومتعلمين متسلحين بمخزون ما يحويه كتاب الله المقدس في طياته من حقائق وعلوم شاملة ومتكاملة لا يستطيع الإنسان مهما وصل من علم ومعارف إحصائها، فالالتفاف والتمسك بكتابه عز وجل لا شك ولا ريب أنه للمسلمين عز وكرامة ومنجاة وفوز بالدنيا والآخرة.
نسأل الله لنا ولكم وأبنائنا وأبنائكم وجميع مجتمعاتنا العربية الإسلامية في أرجاء المعمورة قاطبة الهداية والصلاح، كما نسأله جل في علاه أن يقينا شر الأشرار، وأن يخذل أعداء القرآن، إنه ولي ذلك والقادر عليه.