الدور التبليغي للإمام العسكري (ع)
سيرة الأئمة الأطهار دليل ومعلم لاستكشاف ما كانوا عليه من مستويات عالية من الكمال والتحلي بالفضيلة ومكارم الأخلاق، بما جعلهم موضع تقدير وجاذبية وإكبار عند الكثير من الناس، لما رأوه من معين معارفهم الضاربة بجذورها في مختلف العلوم والتخصصات الملامسة لحاجات الناس على المستوى الديني والاجتماعي، والتعريف بالدور الوظيفي للإنسان في هذه الحياة الملأى بالصعوبات والتحديات والعراقيل، والتي تستوجب من المرء تنوير عقله بتلك المعرف؛ لتنعكس على واقعهم بما يتناسب ودور الكرامة والتكامل الإنساني المتحلي بشتى المكتسبات الإيجابية، كما يمارسون دور الطبيب المعالج لمشاكل الناس، فينبهون على تلك الرذائل الملوثة للنفس والمدمرة لشخصية الإنسان، والتي توصله إلى الانحدار والسقوط في الحضيض.
الإمام الحسن العسكري حياته مفعمة بالعمل المثابر في خط التبليغ وهداية الناس نحو الحق والتحلي بالفضيلة، فوقف حصنا منيعا في وجه الشبهات العقائدية والقرآنية، والتي إن بقت بدون مواجهة معرفية وأجوبة عقلية ستسبب تشوشا في عقول الناس، وتضعف حالتهم الإيمانية، فقضيته مع الفيلسوف الكندي في موضوع التناقض بين الآيات القرآنية لها شهرتها، وكان سبب تأليف الكندي كتابه هو عجز فهمه عن التفريق بين الآيات المحكمة والآيات المتشابهة، فخاض في فهم الآيات الشريفة بعقله القاصر مع ما كان عليه من درجة عالية من العلم والذكاء، ولولا وقفة الإمام العسكري وحله العقلي المقنع لفشت تلك الشبهة القرآنية، وأحدثت خضة على المستوى المعرفي والإيماني، وهذا موقف بسيط يدل على مدى أهمية المرجعية الدينية الرشيدة للإمام في الأمة والحاجة إلى معارفه النيرة ووقفته العملية الرسالية، فحاجات الناس لا تقتصر على الجانب المادي وسد حالات الفقر والحاجة بالقدر الممكن، بل هناك حاجات معرفية وروحية وسلوكية واجتماعية ينهل في سدها وإشباعها من المنهل العذب لمعارف وتوجيهات وحكم الإمام ، والتي تشكل إضاءات وقبسات منيرة تشرق في النفوس والعقول، فتشرق فيها بالوعي والنضج الفكري والهدوء والطمأنينة النفسية.
وقد أدى الإمام العسكري دوره في قضاء حاجات الناس بمختلف ألوانها بنفسه، وفي الفترات التي غيب فيها عن الأنظار لم ينقطع مدده وعمله المثابر حيث أوجد نظاما يحفظ وحدة الناس وثباتهم على الحق والفضيلة، وذلك هو نظام الوكلاء، حيث قام الإمام بحل مشكلة تغييبه عن المؤمنين وفقدانهم للموجه والمرجع الفقهي والاجتماعي، من خلال تنصيب عالم جليل القدر وصاحب خبرة إدارية وموقعية اجتماعية في مختلف البلدان؛ ليرجع إليه الناس في الإجابة على ما أشكل عليهم من المسائل الفقهية والعقائدية والقرآنية والأخلاقية والاجتماعية، وسد حاجاتهم المالية من خلال تقسيم الحقوق على الفقراء والمحتاجين، وهكذا سد الإمام أي خلل يمكن أن ينجم عن هذه الفجوة بينه وبين الرؤية المباشرة والمشافهة في الخطاب بينه وبين المؤمنين التائقين للتبرك بالحضور بين يديه والتزود بما ينور عقولهم من المعارف والحكم.
كما أن العمر الشريف القصير للإمام العسكري «28 سنة» مع ما اكتنفها من صعوبات وظروف قاسية متمثلة بالإقامة الجبرية وفترات من الحبس، ولكنه حول تلك التحديات والصعاب إلى فرصة استثمارية وإيجاد الحلول الممكنة لها، في درس مهم نستقيه من الإمام لتجنب تقديم الأعذار الواهية في تبرير ما يعترينا من ضعف وانكسار نفسي؛ بسبب مواجهة المشاكل والأزمات، إذ محطات المصاعب تعد تحديا لقدراتنا الإيمانية والأخلاقية واختبار مدى تقبلنا للواقع الصعب والتأقلم معه والصبر على المنغصات والعمل الجاد في معالجة تلك المشاكل والعراقيل، إذ يعلمنا الإمام العسكري أن المهمة والدور الوظيفي والأساسي لنا في الحياة هو العمل المثابر متحلين بالهمة والإرادة الصلبة لتحقيق وجودنا وأهدافنا وطموحاتنا بعيدا عن التكاسل والقنوط مهما كانت الظروف التي نواجهها في مستوى قسوتها وضراوتها.