آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 11:58 م

وطني وحريتي وترنيمة حب

سهام طاهر البوشاجع *

في كل عام أنتظر اليوم الذي أطلق فيه لحريتي أن تتجول في أركان وزوايا ومساحات وطني، بين سمائه وأرضه، في جباله ووديانه، في بحاره ورماله، بين أزقته وشوارعه، وفي ميادينيه ومجمعاته، وتحت نوافذ مبانيه وعلى أسطح عماراته، هكذا أشعر بأن ذاتي تنطلق لترى بوضوح مدى الجمال الذي انعكس على كل تلك الأماكن فيه، وكيف طالها التطور والازدهار، وكيف أصبحت تنمو كلما نمت لنا أرواح وتنضج كلما نضجت لنا عقول، وأتذكر كيف تمكن وطني من احتضاني بين حدوده الجغرافية لحظة ميلادي، وكيف غمرني بتفاصيله حينما توغلت فيه وكبرت أعضائي، وتشكلت تحت أجوائه جوانحي.

وارفعي الخفاق أخضر، ورددي الله أكبر، اليوم وكل يوم، وفي كل عام، منذ نعومة أظفارنا ونحن نردد هذا النشيد، حفظناه أكثر من أن نحفظ دروسنا في المدارس والجامعات، رددناه بحب، بدرجة حبنا لآبائنا وأمهاتنا، استوطن ذاكرتنا وتربع في عرش الذاكرة الطويلة الأمد، فصار استدعاؤه سريعا وسهل المنال في كل لحظة يراودنا بترنيمة تتردد بين شفاهنا، كيف لا وقد تجذرت له أوتار قلوبنا، فصارت تهتز عند سماعه كل يوم في الطابور الصباحي حينما كنا في المدارس، وفي الملاعب قبل انطلاق المباريات وصافرة الحكم، وفي المحافل الرسمية والترفيهية على حد سواء، ولا أبالغ حين أقول بأن شريطا من صور حياتي يمر وأنا أردد هذا النشيد الجميل فأراني طفلة صغيرة تلعب على الدراجة في شوارع حارتنا، ومع صديقاتي في ساحة المدرسة ونحن نلعب لعبة الكراسي والغميمة، وحين تلمست أرجلي درجات مسرح الجامعة يوم تخرجي، وحين استلمت أول مهام وظيفتي، لتخبرني هذه الذكريات بأنه لا صوت يعلو على صوت الوطن، ولا حب يدوم كما يدوم حب الوطن.

أمن وأمان يا وطني، عشق وهيام يا أملي، ذخر وعطاء يا ماضيّ وحاضري ومستقبل أيامي، وأبنائي.

يقول الشاعر جاسم الصحيح في إحدى قصائده التي امتدح فيها الوطن:

وطن عليه يعرش «القرآن»
فظلاله «الآيات» و«التبيان»

حفرته فينا الذكريات؛ فحينما
ننسى، يذكرنا به النسيان!

وتفحص الأجداد «حمض» ترابه
فرأوا بأن ترابه إنسان

شيخ وما غلبت عليه خديعة ال -
أحجار ساعة يهرم البنيان

الورد غرس لسانه؛ فإذا انثنى
متحدثا فحديثه البستان

يمتد من موج «الخليج» ذراعه
وتتمه في «جدة»، الشطآن

ويطل من أفق «الرياض» جبينه
فتضيء ملء جنوبه، «جازان»

لم يتحد فيه المكان بآخر
حتى توحد منهما الوجدان

فإذا البلاد على البلاد أضالع
تحنو، وقلب ينحني، وحنان

وطن عشقناه فكان دليلنا
للعالمين، بأننا شجعان

فالعشق أول ما يكون شجاعة...
ما خاض شوط العاشقين جبانُ!

كاتبة ومحررة في صحيفة المنيزلة نيوز