آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 4:07 م

الفرص القاتلة..! «1»

الدكتور محمد المسعود

ما أكثر الشهوات التي تورثنا ندماً لا يزول ولا يفارقنا، وما أكثر الرغائب التي تُخبر الناس عن ضعفنا، وما أكثر الحرص الذي يُظهر للناس أسوأ ما نَخبئه من الأنانية وحب الاستئثار فينا!

وكم من غواية طمع قتلت صاحبها، أو أورثته خزياً لا شرف ولا رفعة بعده! آدم فشل في أول اختبار لممانعة الطمع له، وهو في جنةٍ عرضها عرض السماوات والأرض! وأسرع يلتقط من العيدان وأوراق الشجر ما يستر هذا الضعف الذي تبدى وظهر وبان للملائكة! العالم الجليل الذي علّمه الله تعالى الأسماء كلها، ونال بعلمه شرفاً رفيعاً فرض عليهم جميعاً إجلاله وتعظيمه والتواضع بين يديه!

هو الآن يُسقطه طمعٌ صغير، ومعه علمه الذي لم يَعمل به، وحكمته التي لم يَأذن لها بالتدخل! وأصبح عارياً من الجلال والتعظيم الذي ناله من قريب! فكان النزول بعد كل طمع، والطرد من القرب بعد كل جهل، والخروج من الجنة بعد غلبة الأنا وظلمة المعصية!

لم يتعظ أولاده كثيراً من الضنى والتيه والعقوبة الثقيلة التي كان على أبيهم حملها وذريته من بعده، فسرعان ما بعث الله تعالى غراباً يُعلّم قابيل كيف يواري جسد أول روحٍ زُهقت بسبب طغيان الطمع واستبداده! ومن خزي الجريمة الأولى على الأرض لم يُعرف للضحية قبرٌ، ولم يجد القاتل لنفسه ملاذاً وضاقت عليه الأرض أضيق من نفسٍ تحمل قلب قاتل!

ينال الإنسان فرصة الحياة الدنيا، بروحٍ موعودةٍ بالعودة إلى ربها في الجنة التي أنزله ضعفه وعدم استحقاقه منها! ولكنه يبعثرها على كل من لا يستحقها، ومن لا يثيبه عليها، ولا يعوضه عنها!

قصة واحدة تتكرر ولا تتوقف! تطرد نفسك من جنتك لأنك تطمع في المزيد، ولأنك تنظر على الدوام إلى ما فقدت، ولا تقنع نفسك بما تملك، ولأنك ضعيف أمام طمعك تتحول إلى ضحية سهلة لمن يسوق لك وعود مضاعفة الثروة، أو سهولة جمعها! وكما فعل أبوك آدم من قبلك مهما كنت متعلماً وحكيماً.. الطمع والأنا في نفسك سيجعلك جاهلاً عارياً أمام الجميع بهذا الجهل!

ضعفُ جاهلٍ جشعٍ يتوارثه أبناء آدم، خطأٌ عريضٌ يمتدّ بطول أعمار الناس، وبعرض حياتهم، الفلاح البسيط وأساتذة الجامعات وقادة الجيوش وأئمة المساجد.. كلّنا لسنا نحن عند ظهور توهُّجٍ لنورٍ على ألواح الذهب، ولو كان وعداً متخيَّلاً مجرداً من مقدماته الأولية والمنطقية!

في الهند تُوضع جرة ثقيلة في داخلها تفاحة! يدخل القرد يده ويقبض على التفاحة، وهنا يتعذر عليه أن يخرجها أو يخرج يده دون أن يتركها! ولأنه قبض عليها يعجز عن تركها، رغم رؤيته للصيادين وهم يتجهون إليه، وفي أيديهم شباكٌ غليظة، ورغم ذكاء القرد وقدرته على التذكر والاستفادة من تجاربه، إلا أنه يصر على عدم تضييع الفرصة التي قبضها.. قبل أن تنتزع منه بالقوة وهو في شباك الصيادين..!!.

ما أكثر الحرص الذي يجعلنا. ضحايا ساذجين...!!

سأروي في المقال القادم قصص ضحايا هذا الحرص المتجذر في النفوس.