صلة الرحم تستغيث!
في مجلس «العزاء» الفاتحة دار الحوار التالي:
كيف حالك يا بن العم؟ كيف حال الأولاد؟ ما هي أخبار علي؟ منذ سنوات لم أره؟!
أجابه: الحمد لله أمورنا طيبة، وعلي لا يزال يدرس في الجامعة.
ما شاء الله، ما هو تخصصه؟
أجابه: هندسة كهربائية...
لماذا لم يحضر الفاتحة، هذه آخر ليلة؟
أجابه: هو مشغول بدراسته... وماذا عن ابنك جاسم، أين هو الآن؟
ابني جاسم تخرج من الجامعة وهو الآن يعمل في إحدى الشركات الكبرى بوظيفة مهندس ولا يعود إلا في وقت متأخر...
لكن اليوم الجمعة، وأعتقد أنه إجازة...
صحيح كلامك ولكنه خرج مع أصدقائه، لديهم رحلة عمل تم التنسيق لها مسبقاً ولا يمكنه التخلف عنهم.
التفت إلى شاب يقف بجانبه، سأله:
أيها الشاب العزيز، أراك تقف معنا منذ ثلاثة أيام ولم أتعرف عليك، ولماذا أنت حزين، هل المتوفي يقرب لك؟!
أجابه الشاب بعين دامعة: المتوفي هو أبي...
ساد الصمت...
انتهت الفاتحة...
نظر إلى ابن عمه والحزن مخيم عليه وقال: هل أقول نراك في فاتحة أخرى؟!
موقف حقيقي
أخبرني أحدهم بهذا الموقف...
وقع لي حادث سيارة، أحد الشباب صدم سيارتي... عندما رأيته شاباً في السادسة عشر من عمره قلت له أين أبوك؟
أجابني: آسف لهذا الحادث... هل يمكنك الاتصال بأبي... ليس معي رصيد!
قلت له: قل رقم جواله...
بدأ الشاب يذكر الرقم....
ظهر الاسم...
نظرت إليه وقلت له هل هذا اسم أبيك؟! هل أنت ابنه؟!
أجابني الشاب: نعم أنا ابنه...
سألته هل تعرفني؟!
أجاب: كأني رأيتك... ولكني لا أذكر...
قلت له: أبوك هو ابن خالتي....
أدع التعليق للقارئ العزيز...
هذا مشهد حقيقي، يتكرر بين مختلف العوائل..
أصبح جيل 1970 لا يعرف جيل 2000 وهكذا جيل لا يعرف الجيل الآخر.
أصبح التفاعل بين أبناء العائلة الواحدة تفاعلا معدوماً، لا تزاور، لا تواصل، لا تعارف...
انشغلنا بالتواصل الاجتماعي، وبرر أحدهم قوله، نحن نتواصل عبر الواتساب، لدينا مجموعة تواصل...
اكتفى البعض برسالة تعزية يرسلها في المجموعة!!
أصبح الوضع الاجتماعي وضعاً محزنناً، يعاني البعض من المرض دون أن يعلم به المقربون!
يعاني البعض من أزمة مالية خانقة، ويضطر أن يذهب للجمعية الخيرية، ويتفاجأ أن أحد أفراد العائلة يعمل بها...!!!
إلى متى يعيش أطفالنا غربة اجتماعية، لا يعرف ابن عمه، لا يعرف ابن خاله، بل لا يعرف عمه «يا لها من مصيبة»...
قال الإمام علي : وأكرم عشيرتك، فإنهم جناحك الذي به تطير، وأصلك الذي إليه تصير، ويدك التي بها تصول [1] .
إنها دعوة للتواصل، إنها دعوة لإحياء صلة الرحم...
لا تدعوا المناسبات الحزينة تقربنا بالدموع والحزن..
لا تدعوا مناسبات الأفراح تقربنا وترسم البسمة المؤقتة...
اقطعوا تلك الخلافات العائلية، الخلافات التي ساهمت في حرمان الأجيال من التعارف.
نحن نريد تواصلاً فعالاً، تواصل متواصل، وليس تواصل مؤقتاً...
فكروا في صناعة مناسبات اجتماعية تقربكم لبعضكم البعض...
أسسوا عادات عائلية حسنة تجتمعون فيها بقلوبكم قبل أجسادكم...
تعرفوا على مشاكلكم وساهموا في حلها...
دعو الأجيال تتعارف مع بعضها البعض...
كونوا كما يقول تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ﴾ [الرعد: آية 21]