المجالس والزيارة أمان لأهل الأرض
هناك أخطار تهدد الأمم وأخطار تهدد الأفراد، كما حصل في دولة المغرب؛ مما نتج عنها ثلاثة آلاف ضحية، وكما حصل في ليبيا؛ مما نتج عنها خمسة آلاف ضحية، وغيرها من الدول.
هناك خطر يهدد الأفراد، فلا نعلم ما الذي قدر الله سبحانه وتعالى لنا في ليالي القدر، في الليلة الثالث والعشرين، أو بقية ليالي القدر، لأنه لا نعرف ما الذي كُتب لكل واحد منا إلى العام القادم. فهل نحن من الأحياء إلى العام القادم أم من الأموات؟ حقاً إن القدر الإلهي رهيب، ولا يعلم الإنسان متى سيحيك الدهر تقلبًا فاحشًا وشديدًا ومهيبًا وكثيرًا.
إن مجالس سيد الشهداء وإحياء ذكراه هي أفضل الوسائل الغيبية لدرء المخاطر والآفات التي تهددنا كأفراد وتهددنا كأمم. لقد جعل الله سبحانه وتعالى عللًا طبيعية في هذا الكون، ولكن جعل هناك عللًا غيبية أيضًا. فالذي أعطى التأثير لحبة الدواء هذه أعطى التأثير الغيبي لتلك التربة «تربة الصلاة، تربة قبر الإمام الحسين ».
من الذي أعطى التأثير لهذه الحبة؟ هل امتلكت التأثير من ذاتها؟ ومن أين لها هذه القوة؟ هل هناك شيء في هذا الكون يمتلك صفة أو تأثيراً من ذاته؟ وهل هناك ما هو ذاتي في هذا الباب؟ ليس لدينا ذاتي في هذا الباب، حتى لا يختلف ولا يتخلف، إن الله تعالى الذي أعطى العلل الطبيعية آثارها، وأعطى للأشياء الغيبية آثارها أيضًا.
ينقل ذات مرة أن الوباء انتشر في العراق، وفي الماضي كانت الأوبئة تأتي وبمجرد انتشارها لا يمكن القضاء عليها بسهولة، فتستمر لفترة طويلة وتحصد الملايين أو الآلاف. لعله لا يبقى بيت في المدينة إلا ويدخله الوباء. ثم جاء الوباء إلى مدينة النجف الأشرف. طبعاً عندما ينتشر وباء ما، يكون واضحًا ما هي الحالة التي يكون عليها الناس، فالإنسان لا يعلم حتى لحظات، أي ما إذا كان حيًا أو ميتًا، لأنه يُقال بأن هذا الوباء «نعوذ بالله» إذا استحكم ونفذ ولم نلتفت إلى أعراضه السطحية، بل إذا نفذ إلى الإنسان خلال لحظات يقتله ولا يهمل.
جاء الوباء إلى مدينة النجف الأشرف، وكان فيها رجل متدين مؤمن يقول هذا الرجل: ”نحن توسلنا إلى الله سبحانه وتعالى بسيد الشهداء فأقمنا مجلس توسل بسيد الشهداء في إحدى الساحات العامة، وليس في أحد البيوت“. ثم انتهى المجلس وذهب الناس إلى أعمالهم، وكان هذا الرجل متعبًا ومرهقًا بعد عمل طويل. وقال: ”نمت هناك في الساحة نفسها التي أُقمنا بها المجلس ولم أذهب إلى البيت“. في المنام رأيت ثلاثة مسلحين، أحدهم أخذ يهاجمني وأراد أن يقضي علي، وفي هذه الأثناء نهره صاحباه المسلحان اللذان كانا معه، وقالا له: ”أترك هذا الرجل، أما ترى هذه الآثار، وهذه المفروشات لا تزال مفروشة في عزاء سيد الشهداء ولا تزال هذه المنقلة موجودة هنا، وهذه أباريق القهوة لا تزال موجودة هنا أيضًا“. فأترك هذا الرجل. وقال الرجل قائلاً: ”لقد تركني فعلاً“. وسمعت الرجلين يقولان له: ”أترك هذا الرجل ولنذهب إلى القرية الفلانية“، وسماها ضيعة الضيعة الفلانية. ثم استيقظت من المنام مرعوبًا. في صباح اليوم التالي كنت أترصد الأخبار التي ذكرت بأن هناك ثلاثة أشخاص من الضيعة الفلانية ماتوا في تلك الليلة. لقد توجه الأجل لهذا الرجل في تلك الليلة ولكن دفع الله البلاء ببركة عزاء سيد الشهداء .
وقد جاء في الأحاديث، أنه في ليلة التاسع عشر من شهر رمضان المبارك تقدر الآجال، وفي ليلة الواحد والعشرين تقضى الآجال، أو قريب من هذه المضامين. وفي الليلة الثالثة والعشرين تبرم الآجال إبراماً.
يبدو أن التقدير الإلهي له مراحل، مرحلة بعد مرحلة. فقد جاء الأجل لهذا الرجل ولكن الأعمال والمجالس والزيارة ترد القضاء وترد البلاء والوباء «وقد أبرم إبراماً» بمعنى أصبح القضاء حتمياً، وكل العلل تؤدي إلى ذلك، ولكن ببركة هذه المجالس يدفع هذا الأمر. إن هذه المجالس والذكرى شفيعة لنا في ذلك اليوم وهو الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون، في ذلك اليوم الذي يكون فيه الإنسان بأشد الحاجة، لأن يده أنقطعت من كل شيء، ولا يوجد عنده أي شيء ينفعه.
وحينما ينقطع كل شيء عن الإنسان، تكون هذه المجالس وهذه الذكرى والزيارة والعبرة شفيعة له في ذلك اليوم.
والله ولي التوفيق،