المرهف
المرهف هو: اللطيف الحساس الدقيق. هكذا يقول اللسان. وهي صفات لا توجد، مجتمعة، إلا مع توفر صفات أخرى، فالإحساس مثلا قد يكون، عشوائيا، إذا لم تسعفه بصيرة ملهمة، وهكذا اللطف والدقة. وإذن فاجتماع هذه الصفات في شخص واحد، يدل بوضوح على تكامل ذاتي لا يتوفر إلا في أفراد موهوبين في سلوكهم العملي وفى إبداعهم الفكري، بدون صخب وادعاء زائف. وهذه الصفات مجتمعة وجدتها فى، ريعانها المتوهج، في سلوك وفكر الصديق الراحل محمد علوان.
حين نذهب أنا ورفاقي إلى الرياض لا نعرف الفنادق. إن أول من يستقبلنا، بسخائه الأسطوري، وأخلاقه النبيلة، واستقامته الثابتة، هو الصديق الأستاذ صالح الصالح. أما الثاني فو أبو غسان محمد علوان بكرمه الماطر وقلبه الذي تراه يترقرق بين ابتسامته. ومن يرى محمد علوان لا يظنه رائدا من رواد القصة القصيرة، بل لا يظن أنه متعلم، فضلا عن أنه ذو علم واسع عميق وموهبة نادرة؛ لأن تواضعه، و«صمته الناطق» يضربان بينه وبين رائيه حجابا، لا تنفذ منه إلا عين تدربت على رؤية أمثاله
يحيل محمد علوان مفردات اللغة إلى محار، عليك إذا أردت فهم لغته أن تفلق ما تستطيع منها؛ لتعرف ما يرمي إليه، في جمله القصيرة. تلك الجمل التي تفضي بك كل واحدة منها إلى أن ترى جانبا خافيا من جوانب النفس البشرية، كما ترى فيها همومه الشخصية وقد تشظت حمما، من قسوة الواقع على الناس البسطاء.
عدّد الناقد الثاقب الدكتور محمد صالح الشنطي الإضافات التي أضافها محمد علوان إلى ثقافتنا المحلية، بصورة دقيقة وضافية. ولكن إبداع علوان يحتاج إلى أكثر من قراءة؛ لأن محاراته اللغوية قد تضم كل محارة منها أكثر من لؤلؤة. لنقرأ مثلا قصة «درج» إنها تعالج محنة الوجود برمته: محنة الاختيار، ومحنة التأرجح النفسي في هذا الاختيار، ومحنة الانزلاق إلى هاوية الخطأ. وتلك معاناة وجودية كان يعانيها علوان، ليس فقط في إبداعه، بل فى حياته اليومية العادية. وأظن أن كل من عرفه، قد لمس انفعاله البركاني المضمر من أي خطأ، لا يلتفت إليه غيره؛ لأنه؛ كما يقول جلال الدين الرومي: «ليس كل عين ترى»
إني، بحرارة، أقدم التعازي القلبية لجميع أفراد أسرته الكريمة، ولجميع أصدقائه الكثر، ولروحه السلام.