آخر تحديث: 27 / 11 / 2024م - 9:54 م

هل تتحكم جيناتنا في اختيارنا لأصدقائنا؟ يبدو الأمر أنه كذلك مع الفئران

عدنان أحمد الحاجي *

31 أغسطس 2021

فانيسا مكمينز

المترجم: عدنان أحمد الحاحي

المقالة رقم 246 لسنة 2023

Do Genetics Control Who Our Friends Are? It Seems So with Mice

August 31,2021

Vanessa McMains

هل قابلت يومًا شخصًا أحببته مباشرة، أو في أوقات أخرى، قابلت آخر تعرفه ووجدت نفسك تلقائيًا أنك لم ترغب في أن تكوِّن صداقةً معه، رغم أنك لا تعرف السبب؟

قام المؤلف الشهير مالكولم غلادويل Malcolm Gladwell بدراسة هذه الظاهرة في كتابه الأكثر مبيعًا، بلينك Blink [1] . وأشار في كتابه إلى أن الجزء ”اللاواعي“ من الدماغ يمكّننا من معالجة المعلومات بشكل تلقائي، على سبيل المثال، عندما نلتقي بشخص ما للمرة الأولى، أو نجري مقابلة توظيف معه، أو حين نضطر إلى اتخاذ قرار بسرعة.

تشير دراسة جديدة من كلية الطب بجامعة ميريلاند «UMSOM» إلى أنه قد يكون هناك أساس بيولوجي وراء التفاعل الانسجامي الآني [بين المتشابهين وراثيًا]. أثبت فريق من الباحثين أن الاختلافات في الإنزيم الموجود في منطقة الدماغ التي تنظم الحالة المزاجية [2]  والدافع [الرغبة في الشيء أو النفور منه [3] ] يبدو أنها تتحكم في أي الفئران ترغب في التفاعل اجتماعيًا مع فئران أخرى، حيث تفضل الفئران المتشابهة وراثيًا بعضها بعضًا.

يقول باحثو UMSOM، بقيادة ميشى كيلي Michy Kelly، أستاذة مشاركة في علم التشريح والبيولوجيا العصبية، إن النتائج التي توصلوا إليها قد تفيد بأن عوامل متشابهة قد تسهم في الخيارات «التفضيلات» الاجتماعية التي يتخذها الناس. معرفة هذه العوامل التي وراء هذه التفضيلات الاجتماعية [4 - 9] قد تساعدنا على التعرف بشكل أفضل على ادراك ما هو غير متوقع «حين تنحرف الأمور عن مسارها» في الأمراض المقترنة بالانسحاب الاجتماعي [10] ، كالفصام أو التوحد، بحيث يمكن تطوير علاجات أفضل لها.

نُشرت الدراسة [11]  في 28 يوليو، 2021 في مجلة الطب النفسي الجزيئي Molecular Psychiatry، إحدى منشورات نتشر Nature.

”نتصور أن هذه هي فقط العلامة الحيوية biomarker الأولى من بين العديد من العلامات الحيوية للانسجام في الدماغ الذي قد تتحكم في التفضيلات الاجتماعية،“ كما تقول الدكتورة كيلي. ”تخيلْ إمكانية معرفة العوامل الكامنة وراء الانسجام البشري معرفةً حقة. بذلك يمكن الجمع بين المتوافقين / المنسجمين معًا لتكوين علاقات زوجية بشكل أفضل لتقليل معدلات وجع القلب [12]  والحد من معدلات الطلاق، أو تحسين الانسجام بين المرضى والأطباء للرفع من جودة الرعاية الصحية، حيث أثبتت الدراسات أن الانسجام يمكن أن يحسن من المخرجات الصحية“.

سلسلة متعاقبة من الأحداث والظروف غير المتوقعة على مر السنين تُوجت في نهاية المطاف في هذا المشروع البحثي، وفقًا للدكتورة كيلي.


بروتين PDE11 «باللون الأخضر» في أدمغة سلالتين مختلفتين من الفئران.

في إحدى السلالات بروتين PDE11 منتشر والأخرى مجتمع. المصدر: الباحثة ميشي كيلي

أثناء عملها في شركة أدوية، طلبت مجموعة من باحثي العظام من الدكتورة كيلي أن تصف سلوك أحد الفئران المعدّل وراثيًا المنتزع منه بروتين PDE11. لاحظت أن هذه الفئران الفاقدة لبروتين PDE11 انسحبت اجتماعيًا، لذلك علمت أن بروتين PDE11 لا بد أن يكون موجودًا في الدماغ. تذكرت كيلي دراسة استخدمت فأرًا لنموذج فصام الشخصية، حيث قام الباحثون بإتلاف الحصين في دماغ هذا الفأر مما أدى إلى سلوك معادٍ للمجتمع [13] . ثم درست هذه المنطقة من الدماغ في الفئران السليمة وعثرت على موضع بروتين PDE11.

لاحقًا، بصفتها عضو في هيئة التدريس بجامعة ساوث كارولينا، واصلت دراسة السلوك الاجتماعي للفئران المعدلة وراثيًا من حيث ردود أفعالها الاجتماعية تجاه الروائج. في المختبر، أخذ الباحثون خرزًا خشبيًا فُرك بالكامل بفيرومونات نافذة الرائحة ومتطايرة من إحدي مجموعتي فئران، ووضعوا هذه الخرز في قفص مع مجموعة ثانية من الفئران. عادةً ما يقضي الفأر الذي قُدِّم له خرزة من فأر مألوف عنده وخرزة أخرى من فأر غريب عنه جديد عليه فأنه سيقضي وقتًا أطول في التحقق من الخرزة المفروكة برائحة الفأر الغريب.

عندما نظر الباحثون في تفضيلات الفئران المنزوعة بروتين PDE11، وحدوا أنها فضلت رائحة الفأر الغريب بعد ساعة أو أسبوع واحد من مقابلة هذا الفأر الغريب، ولكن بعد يوم واحد من هذا اللقاء - بالنظر للذاكرة الطويلة الأمد الأخيرة «الحديثة» للفأر - بدت ذاكرتها الاجتماعية مشوشة، ولم تميز بين الصديق والغريب. بالنسبة للباحثين، كان هذا يعني أن الذاكرة الاجتماعية «= الذاكرة الجمعية [14,15] قصيرة الأمد وطويلة الأمد للفئران تعمل بشكل جيد، ولكن كانت هناك مشكلة في حفظ المعلومات في الذاكرة طويلة الأمد الأخيرة - الوقت قبل انتقال المعلومات بين الذاكرة القصيرة الأمد وطويلة الأمد.

بإعطائها مزيدًا من الوقت، فأن من شأنها أن تستعيد تلك الذاكرة في نهاية المطاف.

طالب يعمل في المختبر لاحظ بشكل عفوي أن الأطفال المشخصين بالتوحد يفضلون التفاعل مع آخرين مشخصين بالتوحد مثلهم. لذلك، قررت الدكتورة كيلي أنه عليها إجراء اختبار لمعرفة ما إذا كان لدى الفئران المنزوعة بروتين PDE11 والفئران السليمة تفضيل لما يتفاعل معها من الفئران الاخرى. وجد الباحثون أن الفئران منزوعة بروتين PDE11 تفضل التواجد حول الفئران المنزوعة بروتين PDE11 الأخرى على الفئران السليمة، بينما فضلت الفئران السليمة أيضًا نوعها الجيني [16]  من الفئران الأخرى [المترجم: حسب نقطع الفيدو أدناه فقد ذكر أن الفئران تتواصل مع بعضها كما يتواصل البشر إلَّا أنها تستخدم ما يعرف ب الأصوات / الألفاظ فوق السمعية ultrasonic vocalization على نطاق تردد يتراوح بين 20 - 100 KHz]. هذا الاكتشاف بقي صحيحًا حتى عندما اختبر الباحثون سلالات فئران مخبرية أخرى. عندما اختبروا متغيرًا جينيًا [17]  آخر لبروتين PDE11 مع تغيير واحد في الشيفرة الجينية «الكودون» [18] ، فضلت الفئران التي لديها هذا المتغير الجيني الفئران الأخرى التي لها نفس المتغير الجيني على أي نوع آخر من الفئران.

لذا، ماذا شمت الفئران والذي على أساسه حددت تفضيلاتها لرفقائها؟ ”سألت الدكتورة كيلي.“ تخلصنا من الرائحة وحركات الجسم كعوامل مساهمة [في الانسجام أو عدمه]، ولكن لا يزال لدينا بعض الأفكار الأخرى ينبغي علينا اختبارها. "

ما فعله هذا الفريق هو وضع نموذج يمكن للباحثين من خلاله التعرف على الأسس الاجتماعية الكامنة وراء الصداقة في النماذج الحيوانية، ”قال إي ألبرت ريس E. Albert Reece، نائب الرئيس التنفيذي للشؤون الطبية في جامعة ميرلاند في بالتيمور. وبرفسور متميز وعميد كلية الطب بجامعة ميريلاند.“ هذا الاكتشاف المهم جدًا هو مجرد بداية، ولكن نأمل أن يؤدي إلى أساليب جديدة ومثيرة للعلاجات البيولوجية أو الاجتماعية لأمراض مثل الفصام أو الاختلال المعرفي [19]  بسبب الشيخوخة والتي بسببها قد يؤدي التجنب الاجتماعي [10]  الحاد والعزلة إلى الحد من جودة حياة المصاب. "

مقطع فيديو:

http://Video

مصادر من داخل وخارج النص

[1]  ”كتاب Blink «لمح البصر» لمالكولم غلادويل: فن اتخاذ القرارات الفورية «قوة التفكير بلا تفكير»، اتخاذ القرارات بدون معلومات. أجرى علماء في جامعة“ أيوا ”الأمريكية تجربة فريدة لاختبار قدرة الذهن البشري على إتخاذ قرارات فورية خاطفة، رغم غياب المعلومات الكافية. طلب الباحثون من المشاركين في التجربة إصدار تخمينات فورية بخصوص محتويات بطاقات الكوتشينة دون أن يروا سوى ظهر كل ورقة. ووجدوا أنه وبعد فترة من ممارسة المشاركين لعملية التخمين تلك، تحسنت قدراتهم التخمينية بشكل ملحوظ، بحيث تمكن أغلبهم من تخمين محتويات البطاقات بطريقة صحيحة تدعو للدهشة. توصل العلماء بعد هذه التجربة إلى استنتاج أن الذهن البشري قادر على اتخاذ قرارات فورية خاطفة وصحيحة حتى في حالة غياب المعلومات الكافية. فبعد فترة قصيرة جداً من ممارسة أي تجربة - مثل التخمين هنا - يبدأ الذهن في تكوين نظرية فورية عنها. وانطلاقاً من هذه النظرية، ينتقل الذهن إلى مرحلة اتخاذ القرارات والتخمينات رغم غياب المعلومات. وهكذا تتم عملية التعلم واتخاذ القرارات مهما قلت كمية المعلومات المتاحة“ مقتبس ببعض التصرف من نص ورد على هذا العنوان:

. https://edara.com/Khulasat/Details/Blink/971

[2]  https://ar.wikipedia.org/wiki/مزاج_ «علم_النفس»

[3]  https://ar.wikipedia.org/wiki/دافع

[4]  التفضيلات الاجتماعية تصف نزعة الإنسان ليس فقط للاهتمام بالمردود المادي الخاص به، ولكن أيضًا بمردود المجموعة المرجعية و/ أو الغاية التي تؤدي إلى العائد. تُدرس التفضيلات الاجتماعية على نطاق واسع في علم الاقتصاد السلوكي والتجريبي وعلم النفس الاجتماعي. أنواع التفضيلات الاجتماعية تشمل الإيثار والإنصاف والمعاملة بالمثل «5» والنفور من عدم المساواة. يفترض حقل علم الاقتصاد «6» في الأصل أن البشر فاعلون اقتصاديون عقلانيون «7»، وعندما أصبح من الواضح أنهم ليسوا كذلك، بدأ حقل علم الاقتصاد يتغير. بحوث التفضيلات الاجتماعية في الاقتصاد بدأ بالتجارب المخبرية في عام 1980، حيث وجد الاقتصاديون التجريبيون أن سلوك الأشخاص ينحرف بشكل ممنهج عن سلوك المصلحة الذاتية في الألعاب الاقتصادية مثل لعبة الإنذار «8» ولعبة الديكتاتو «9». ألهمت هذه النتائج التجريبية بعد ذلك نماذج اقتصادية جديدة متنوعة لوصف إيثار الفاعل والإنصاف واهتمام المعاملة بالمثل بين عامي 1990 و2010. وفي الآونة الأخيرة، هناك أعداد متزايدة من التجارب الميدانية التي تدرس تشكيل التفضيل الاجتماعي وتطبيقاته في جميع أنحاء المجتمع. " ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان:

https://en.wikipedia.org/wiki/Social_preferences

[5]  https://ar.wikipedia.org/wiki/معاملة_بالمثل_ «علم_النفس_الاجتماع

[6]  https://ar.wikipedia.org/wiki/اقتصاد_ «علم»

[7]  https://ar.wikipedia.org/wiki/عقلانية_ «علم_نفس»

[8]  https://ar.wikipedia.org/wiki/لعبة_إنذار

[9]  https://ar.wikiqube.net/wiki/Dictator_game

[10]  "التجنب الاجتماعي social withdrawal الميل إلى تجنب التفاعل الاجتماعي، والإخفاق في المشاركة في المواقف الاجتماعية بشكل مناسب، والافتقار إلى أساليب التواصل الاجتماعي ويتراوح هذا السلوك بين عدم إقامة علاقات اجتماعية أو بناء صداقة مع الأقران إلى كراهية الاتصال بالآخرين والانعزال عن الناس والبيئة المحيطة، وعدم الاكتراث بما يحدث في البيئة المحيطة - مقتبس من نص ورد على هذا العنوان:

https://www.facebook.com/147511468744117/posts/162838153878115/

[11] -https://www.nature.com/articles/s41380-021-01237-4

[12]  https://ar.wikipedia.org/wiki/ضيق_الصدر

[13]  https://ar.wikipedia.org/wiki/سلوك_معاد_للمجتمع

[14] https://study.com/learn/lesson/social-memory-overview-examples.html#:~: text=The%20bombing%20of%20the%20New، the%20United%20States%20of%20America.

[15]  https://ar.wikipedia.org/wiki/ذاكرة_جمعية

[16]  https://ar.wikipedia.org/wiki/تنوع_حيوي

[17]  ”المتغير الجيني genetic variant الدي يقصد به هنا هو تعدد أشكال النوكليوتيدات المفردة «single-nucleotide polymorphism أو SNP» وهو اختلاف في سلسلة ال DNA والذي يحدث عادة في مجموعة من السكان «مثلاً 1 ٪ منهم» حيث يختلف نوكلبتيد واحد - A، T، C أو G - في الجينوم بين فردين من نفس النوع البيولوجي «16» أو بين كروموسومات مزدوجة.“ مقتبس ببعض التصرف من نص ورد على هذا العنوان:

https://ar.wikipedia.org/wiki/تعدد_أشكال_النوكليوتيدات_المفردة

[18]  https://ar.wikipedia.org/wiki/شيفرة_جينية

[19]  https://ar.wikipedia.org/wiki/نقيصة_معرفية

المصدر الرئيس

https://www.medschool.umaryland.edu/news/2021/Do-Genetics-Control-Who-Our-Friends-Are-It-Seems-So-with-Mice.html