الغضب انفعال منسي
بقلم البروفيسور ديفيد فوربس مدير مركز فينيكس أستراليا للصحة للكرب التالي للصدمة النفسية؛ قسم الطب النفسي، كلية الطب وطب الأسنان والعلوم الصحية، جامعة ملبورن
25 أغسطس 2023
المترجم؛ عدنان احمد الحاجي
المقالة رقم 239 لسنة 2023
How anger became the forgotten emotion
Professor David Forbes Director، Phoenix Australia Centre for Posttraumatic Health; Department of Psychiatry، Faculty of Medicine، Dentistry and Health Sciences، University of Melbourne
25 August 2023
شخصيات مثل لوغان روي Logan Roy في مسلسل الخلافة [1] Succession التلفزيوني بإماكانها أن تعلمنا الكثير عن الغضب [2] والصدمات النفسية [3] ، ولماذا نحتاج إلى فهم المزيد عن العلاقة بينهما
لقد مر الآن عشرون عامًا منذ أن أطلق لأول مرة على الغضب اسم ”الانفعال «الشعور» المنسي [المترجم: أي الذي لم ينل ما يستحق من الدراسة الكافية] [4] “، واليوم، لم يطرأ على هذه الحالة أي تغيير يذكر.
على الرغم من أننا نعرف الكثير عن الحزن[5] والخوف [6] ، إلا أن الغضب لا يزال مجهولًا في المجتمع. معظمنا لا يعرف لماذا نغضب، أو الفرق بين الغضب الصحي والغضب المُشْكِل [أي الذي يسبب المشكلات].
كما الحزن والخوف، فالغضب هو أيضًا من الانفعالات الإنسانية الطبيعية
ولكن، كما الحزن [5] والخوف [6] ، فالغضب [2] هو أيضًا من الانفعالات الإنسانية الطبيعية. الغضب الطبيعي صحي ونافع. نصاب به عندما نشعر بالتعرض لهجوم، أو التعرض لظلم أو حين يُعامل بإجحاف، أو عندما نرى الظلم / الاجحاف منتشرًا في العالم.
لسوء الحظ، غالبًا ما نتعامل مع الغضب الصحي باعتباره مشكلة، وعندما لا نستطيع تحمل الغضب الصحي من غيرنا، فقد نعاقب أو ننتقد أحباءنا [أفراد العائلة أو الأبوين أو الأصدقاء] عندما ينتابهم غضب.
وفي الوقت نفسه، تمامًا كما بإمكان أن يتحول الحزن إلى اكتئاب [7] ، وقد يتحول الخوف إلى اضطراب قلق [8] فإن الغضب يمكن أن يصبح غضبًا غير صحي أيضًا.
قد يصبح الغضب مشكلة عندما يغضب الشخص كثيرًا وبشدة لفترات زمنية طويلة، ويضر بعلاقاته وقدرته على القيام بوظائفه الحياتية [9] . الباحثون يشيرون إلى هذا النوع من الغضب غير الصحي باسم ”الغضب المشكل“، بسبب المشكلات التي يمكن أن يخلقها للأشخاص في وظائفهم وفي علاقاتهم مع آخرين.
لقد تناول بحثنا في معمل / مختبر الغضب Anger Lab الفجوة المعرفية المتعلقة بالغضب، مركزين على الغضب المشكل لدى الذين تعافوا من الصدمة النفسية [3] . يُثبت بحثنا أن المشكلة مع الغضب هي إحدى المشكلات الأكثر شيوعًا التي تحدث بعد الصدمة النفسية، إن لم تكن أكثرها شيوعًا.
لكن قد يأخذ الناسَ سنواتٌ أو عقودْ قبل أن يدركوا أن غضبهم له علاقة بصدمة نفسية قد تعرضوا لها سابقًا،. نحن بحاجة إلى الحديث أكثر عن الغضب، بعد أن أصبح لدينا مستوىً عالٍ من فهم الصدمات النفسية.
الغضب يمكن أن يمارس من الناحية العاطفية «ويتراوح من الانزعاج الخفيف إلى الغضب الجامح الخارج عن السيطرة»، ومن الناحية الذهنية «التفكير في من أساء إلينا»، ومن الناحية الفسيولوجية «ارتفاع في نشاط القلب والأوعية الدموية وتوتر العضلات»، ومن الناحية السلوكية «الصراخ وصفق الأبواب».
قد يكون الشعور بالغضب مزعجًا، لكنه يؤدي وظيفة حساسة. بخلاف الحزن والخوف، اللذين يدفعاننا إلى الانسحاب [تجنب الناس وتجنب المشاركة في فعالياتهم التي كان يستمتع بها سابقًا] أو الانغلاق [رفض التواصل والتعاون مع الطرف الآخر والاعراض عنه] أو الإنزواء اجتماعيًا، فإن الغضب يدفعنا على العمل للدفاع عن أنفسنا وحماية الآخرين والتغلب على العقبات التي تواجهنا.
لقد شهدنا جميعًا تقاقم شعورنا بالغضب الجامح الخارج عن السيطرة وربما نشعر بعده بالخجل أو الندم عندما نفكر في لحظات الغضب تلك وكيف كانت تصرفاتنا خلالها.
يمكن أن يقع عدوان [10] وعنف [11] في لحظة غضب متفاقم، ولكن لا يمكن تبرير هذين السلوكين بالغضب. الذين يلجأوون إلى العدوان والعنف ضد شخص آخر لا يمكنهم أبدًا أن يقولوا إن الغضب هو ما ”دفعهم إلى ذلك“ - فالعدوان أو العنف دائمًا ما يكون قرارًا شخصيًا [12] .
هناك أيضًا حالات من العدوان الذرائعي [عدوان مقصود لتحقيق غرض معين من الأغراض [13] ]، لا بسبب الغضب، ولكن يوظفه الشخص للتهديد بالعدوان والعنف أو ارتكابهما فعليًا كأداة للسيطرة والتحكم - وهذا النوع منتشر بشكل كبير في العنف بين شركاء الحياة [نمط من التهديد بالعنف أو ارتكابه بقصد سيطرة وتحكم شريك في شريكه الآخر، ويمارس بعدة أساليب ومنه العنف الجسدي أو سوء المعاملة أو الابتزاز المالي وغيرها «14»].
يثبت بحثنا أنه في بعض المجموعات المتضررة من الصدمات النفسية، مثل المحاربين القدامى والمستجيبين الأوائل [15,16] [المترجم: المستجيبون الأوائل هم أشخاص مدربون ومتخصصون وأول من يصل ويقدم المساعدة حال وقوع حوادث، مثل الحوادث الطارئة أو الكوارث أو حالات طبية طارئة أو غيرها، وهم عادة ضباط الشرطة والمسعفون الطبيون، وطاقم الطوارئ الطبية، ورجال الإطفاء أو الناجون أنفسهم من الكوارث الطبيعية [17] ]، قد يؤثر الغضب المشكل فيما يصل إلى 31% من الناس. ومع ذلك، قد يستغرق الأمر سنوات للربط بين المعاناة من الغضب وبين التعرض لصدمات نفسية سابقة.
نحن نعلم الآن أن الغضب غالبًا ما يكون أحد الأعراض الأساسية [18] لاضطراب الكرب التالي للصدمة النفسية [19] ، وهو أيضًا استجابة سائدة للصدمة النفسية في حد ذاته، مع كون معدلات الغضب المشكل في بعض الأحيان أعلى من الاضطرابات المعروفة مثل الاكتئاب واضطراب الكرب التالي للصدمة.
هناك العديد من الأمثلة على رجال تعرضوا لصدمات نفسية ولديهم مشكلات بسبب غضبهم في الموروث الثقافي [20] ، لكنهم غالبًا ما يكونون أمثلة على حالات صارخة. أحد الأمثلة هو لوغان روي Logan Roy، الخصم الرئيس في مسلسل الخلافة التلفزيوني ذي الشعبية الواسعة، والذي عانى من صدمة نفسية كبيرة في مرحلة الطفولة ولديه الكثير من أعراض الغضب المشكل.
بالنسبة لروي، يثور غضبه في الحالات التي يشعر فيها أنه مُستَغل. قد يأتي رد فعله المفرط من تجارب سوء المعاملة التي تعرض لها في مرحلة طفولته السابقة وشعوره أنه كان في موقف ضعيف حينئذ، مما يثير غضبه في مستويات من الشدة والتواتر ولفترة زمنية تضر بنفسه وبعلاقاته مع الآخرين.
لديه أيضًا مستويات عالية من العدائية [21] ، وتتمثل في الاستعداد لكره الآخرين أو عدم الثقة بهم وتفسير سلوكهم على أنه أناني ومؤلم. تثبت الأبحاث أن ”انحياز العزو العدائي [وهو تفسير سلوكيات الآخرين على أنها متأتية عن نية عدائية حتى لو لم يوجد قرينة على ذلك [22] ]“، أو الميل إلى تفسير المعلومات / المعطيات الغامضة على أنها عدائية، هي أمر شائع جدًا في الغضب المشكل، خاصة بعد التعرض لصدمة نفسية سابقة [23] . [المترجم: المعلومات الغامضة هي التي إما أن تكون غير واضحة أو حمالة أوجه، حسب قاموس ميريام وبستر Merriam-Webster»].
أمثلة على انحياز العزو العدائي: عندما يقطع بعض السائقين علينا المسار على الطريق السريع غير مراعي للمسافة الآمنة بيننا وبينه أو يصطدم بنا في ممرات السوبر ماركت بعربته - فإن تحيز العزو العدائي يفسر هذه الأحداث على أنها مقصودة وليست عرضية.
تجدر الإشارة مرة أخرى إلى أن ابداء روي للعدوانية والعنف لا تبررها اصابته بالصدمة النفسية أو مشكلات في صحته العقلية التي تعرض لها في مرحلة الطفولة. كما أنه نادرًا ما يظهر عليه أي ضائقة [24] أو شعور بالذنب «شعور بالتقصير» [25] ، على الزعم من أننا نعلم أن الكثير من الناس الذين عانوا من الصدمة النفسية وواجهوا صعوبات بسبب غضبهم وجدوا أنها حالة مزعجة جدًا وغير سارة، ويرغب بشدة في التعافي منها.
من الصعب جدًا أن تجد في الموروث الثقافي شخصيات نسائية يعانين من صدمة نفسية مع غضب مشكل. تختلف الفتيات من ناحية التنشئة الاجتماعية، عن الفتيان عندما يتعلق الأمر بالتعبير عن الغضب، مما يؤدي ذلك بهن إلى كبت الغضب أكثر من اظهاره والتعبير عنه.
يبين بحثنا أنه في بعض المجموعات، بما في ذلك الناجين من الكوارث الطبيعية، تعاني النساء من مستويات عليا من الغضب المشكل مقارنة بالرجال [26] ، وهو ما يمكن تفسيره جزئيًا بمدى تضررهن بعد وقوع كارثة طبيعية، وتعرضهن المحتمل للعنف الأسري[27] بشكل أكثر وللمعاناة من ضرر اقتصادي أسوأ. [المترجم: وهذا ما أثبتته الحوادث أثناء جائحة كوفيد-19 [28] ].
فهم العلاقة بين الصدمة النفسية وبين الغضب، والتعرف على الاختلافات بين الغضب الصحي وغير الصحي، يعُدَّان أمران بالغا الأهمية للسماح للناجين من الصدمات النفسية لفهم ما مروا به من تجارب ومشاعر بشكل أفضل «29».