الحوكمة في مجالس إداراة الجمعيات الأهلية
تعددت تعريفات الحوكمة وكثر الحديث حولها، لكن وبدلاً من أن تتحول الحوكمة إلى ثقافة عامة لدى الجميع أصبحت وكأنها لغز أو معادلة يصعب حلها. لقد حاولت في مقال سابق بعنوان“الحوكمة وحالة كارلوس غصن”أن أبسط مفهوم الحوكمة واستخدمه كمنظار يساعد على رؤية مفهوم الإدارة الرشيدة بشكل أفضل وأبسط. فبمجرد أن تطبيق المنظمة «أية منظمة» لأنظمة وإجراءات تسيير أعمالها المكتوبة والمعتمدة التي تمكن الموظف أو المسؤول حسب الصلاحيات الممنوحة تنفيذها وتطويرها - وفق آليات التطوير المعتمدة، عندها نستطيع القول إن هذه المنظمة بدأت تطبق الحوكمة. وتتميز الحوكمة بأنها تبدأ من قمة الهرم الإداري «أي مجلس الإدارة عادة» وتقدس مبدأ الشفافية والعدالة.
لقد قامت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بخطوات غير مسبوقة على مستوى التطوير الشامل للقطاع غير الربحي، الذي يحظى بأهمية خاصة على المستوى العام والمجتمع. لقد برز موضوع حوكمة القطاع غير الربحي كأحد أوجه التغيير الشامل الذي يعقد عليه الكثير من الآمال، حيث شمل هذا التغيير تعديل نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية وتعديل لائحته ثم مؤخراً تحديث تلك اللائحة، وقد تم كل ذلك خلال فترة وجيزة، بعد عقود من الجمود في إجراء أي تغيير جوهري سواء في النظام أو اللائحة. وفي ظل القفزات النوعية للجمعيات الأهلية في تحقيق المستهدفات، نأمل أن يستكمل هذا الدعم السخي للقطاع غير الربحي بنظام مكافئة الجمعيات الأهلية التي تحقق نسباً مرتفعة في تطبيق الحوكمة على غرار النظام التي تنفذه حالياً وزارة الرياضة في هذا المجال.
هذه التحديثات،
لقد منحت التحديثات الأخيرة على لائحة نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية صلاحيات أوسع للجمعية العمومية بعد أن كان بعضها ضمن صلاحيات مجلس الإدارة، مما يوحي أن هناك رغبة في إظهار هيمنة أكبر وسيطرة أوسع للجمعية العمومية على أداء الجمعيات الأهلية. فصلاحيات البت في استقالة عضو مجلس الإدارة أو إسقاط عضويته أو انتخاب أعضاء لشغل المراكز الشاغرة في المجلس، أو البت في إبراء ذمة عضو المجلس، وكذلك إقرار الخطة الاستثمارية وقواعد الاستثمار وإلغاء قرارات سابقة للمجلس. كلها صلاحيات استراتيجية عالية الدقة والأهمية، وتحتاج إلى أداء يتواءم مع هذه التحولات، حيث يقتضي تولي هذه المسؤوليات توفير قدر مناسب من المعلومات الداخلية التي تتناسب مع هذه الصلاحيات، كما تحتاج إلى توصيات المجلس حتى تتوفر للجمعية العمومية أرضية مناسبة تمكنها من البت في مثل هذه القرارات العالية الأهمية.
إن قيام مجالس الإدارات باختيار إحدى أدوات تقييم الأداء المعروفة مثل: طريقة التقييم الذاتي أو طريقة المقارنة بالأفضل أو إحدى طرق التقييم الخارجي لتقييم أداء المجلس هي ضمن مسؤوليات مجلس الإدارة قبل الحوكمة وبعدها، كما أن نشر هذه التقارير سوف يمكن الجمعية العمومية القيام بمسؤولياتها اعتماداً على تلك البيانات والمعلومات المعتمدة من مجلس الإدارة، وبالتالي ضمان جودة أفضل للقرارات التي سوف تتخذها الجمعية العمومية.
إننا نهمس في وجدان مجالس إدارات جمعياتنا الأهلية الموقرة الذين بذلوا وضحوا ولم ينتظروا ثناءً أو شكراً من أحد، بأن يضعوا نصب أعينهم مسؤولية وضع وتطبيق معايير الشفافية الخاصة بأداء المجلس بالقدر الذي يمكن الجمعيات العمومية البت في القرارات التي تدخل ضمن نطاق صلاحياتها، وتزويدها بالمعلومات الدورية الدقيقة والكاملة، وهذا هو العامل الرئيس لتحسين جودة تلك القرارات، وتحقيق الاستدامة وإنجاح أهداف التغيير الذي يقوده المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي.