آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 8:37 م

مواقف وذكريات مع محمد علوان

محمد رضا نصر الله

في أمسية صيفية من أماسيّ القاهرة الندية، راح أمل دنقل يلقي قصيدته ”سفر الخروج“ بنغم أسيان، وبحة متلوثة بعوادم الجو الطبيعي والسياسي.. كان يستعيد سنوات اللاحرب واللاسلم، تلك الحالة النفسية السديمية التي عاناها المجتمع المصري، ومعه المجتمعات العربية بعد كارثة

67.. على خلفية غضب طالبي جامح، مدعوم من ابرز المثقفين والادباء المصريين ضد حالة اللاحرب واللاسلم، خصوصاً وأن السادات قد وعد الشعب المصري منذ استلامه القيادة، سنة 1970 بأن عام 72سوف يكون عام الحسم!.

وحينما لم يأت هذا العام، تحلّق هؤلاء في ميدان التحرير، حول نصب الجندي المجهول، الذي بُني على هيئة كعكة حجرية.. وها هو أمل دنقل المنخرط بينهم يستلهم بهمه القومي والوطني ”نصوص“ العهد القديم والجديد، وما قصيدته ”سفر الخروج“ إلا محاولة تعبيرية للخروج من هذه الحالة المترجرجة، بينما العدو يقف على أبواب عواصم عربية يهدد أمنها.. فلِم لا يهبط مع القوم المتحلّقين حول الكعكة الحجرية؟!

بين هذا الحدث الوطني وذاك القومي، كان الشاعر الصعلوك، يتلوى من ألم الفجيعة، ويتآكل من الداخل.. ولم ينته عام 1988 إلا وقد تغلغل المرض الخبيث في جسده الضعيف، ليتوسد سرير الغرفة رقم 108، والتي كانت آخر تجربة شعرية اتسمت بروحية المواجه للموت.. وأصبحت الديوان الأخير في حياته القصيرة.

في هذه اللحظة الأخيرة، حيث عانى أمل دنقل من مرض السرطان، كان للمملكة موقف شهم نبيل مع هذا الشاعر، ولا أنسى ذلك اليوم القائظ، حين دخلت برفقة الصديق القاص الرجل محمد علوان، على شاعرنا الصديق الدكتور غازي القصيبي - وزير الصحة وقتذاك - وطلبنا منه العمل على إنقاذ صحة أمل دنقل المتدهورة.. تأثر غازي كثيراً، خاصة وأنه أحد المعجبين بشعره.. وما هي إلا أيام، وإذا به يستحصل على عشرين ألف دولار من الملك فهد، مساعدة منه - حفظه الله - لهذا الشاعر العربي الجريء.. وقد تم تحويل المبلغ إليه - بصمت سعودي معهود - حيث يرقد في معهد السرطان.

وقد نشرت مقالًا نقديًا رثائيا للدكتور غازي القصيبي بعد وفاة امل دنقل في 21 ما يو 1983 بعنوان «الغرفة 108» في جريدة الرياض الاسبوعي.

هذه اللفتة الكريمة مع الأسف لم تقابل بشكر أحد من أصدقاء أمل دنقل.. رغم أن الكثيرمن الأدباء والشعراء المصريين، علموا بتفاصيل هذه اليد السعودية السخية.. ومع ذلك لم يشر الدكتور جابر عصفور إليها - لدواع أيديولوجية - فيما كتبه بعد ذلك في جريدة الحياة عن ذكرياته مع أمل دنقل ومرضه وتوسع في كتاب «امل دنقل.. ذكريات ومقالات وصور» رغم أن هذه اليد السعودية، قد امتدت إلى صديقه، قبل اليد المصرية!!. وكان الساند الحقيقي وراء ذلك د غازي القصيبي.

اما ما ذكره العزيز محمد علوان قبل رحيله بأيام قليلة في تغريدته - ربما كانت اخر تغريداته رحمه الله - فكانت عن ذهابنا إلى د غازي القصيبي كذلك.. هذه المرة.. عن القاص المبدع عبدالعزيز مشري الذي عانى كثيرا من مرض فشله الكلوي.. فكما ذكر علوان حيث بادر غازي بعلاج المشري.. وهنا اتذكر كذلك موقفًا طل طي الكتمان حين طلبت من الناقد الادبي المعروف الصديق عابد خزندار بمساعدة المشري - ماديًا - وقد فعل رحمه الله.

وبمناسبة الحديث عن رحيل محمد علوان، لابد من ذكر حقيقة قد تكون غائبة عن كثير من دارسي قصص علوان وقرائه.. وهي ان الفضل في إطلاق آسمه في سماء الساحة الأدبية في النصف الثاني من السبعينات الميلادية، يعود إلى الناقد والناشر الاستاذ عبدالله الماجد الذي طلب من الاديب المصري الكبير يحي حقي كتابة مقدمة محموعة علوان القصصية الأولى «الخبز والصمت» وكانت اول اصدارات دار المريخ.. حيث بدأ علوان ينشر قصصه قبل ذلك في الصحافة خاصة في جريدة الرياض ومجلة اليمامة، حيث اشرف علوان وزميله في ادارة المطبوعات الكاتب المتميز عبدالكريم العودة على الصفحات الثقافية في المجلة.