آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 6:00 ص

حوكمة أداء ديوانية

المهندس أمير الصالح *

قال حكيم ”إن الوقت هو رأس مال الإنسان الأهم، فانظر أين تصرف رأس مالك“.

العرب منذ فجر تاريخهم وهم يجتمعون ويتدارسون في نواديهم في شؤون عدة، ومنها الأدب والاقتصاد والفنون وطرق التجارة ومواسم الحصاد. فكان سوق عكاظ صرحاً يرمز لهكذا نشاط. في عالمنا اليوم ولدت مفردة ديوانية كرديف لكلمة نادي يجتمع فيه بعض من الناس. وفي فترة ما تتحول الديوانية إلى نادي المحاربين القدامى لكون أغلب الحضور كبار في السن، وقد خاضوا تجارب عدة ومنها مطالبة بحقوق للمجتمع أو دفع أضرار عن مجتمعهم. فحين ذاك تكون أسطوانة الحديث بينهم أسطوانة مشروخة لتكرار نفس المواضيع وتمجيد الماضي وإعطاء أوسمة ونياشين لرفقاء فيما بينهم إرضاء لكبريائهم والواقع أن العالم خارج ديوانياتهم قد نساهم إلا ما رحم ربي.

يتساءل البعض من حديثي التقاعد: هل يطوي سنين ما بعد التقاعد في أعمال شبيهة بأعمال دابة ساقية مياه البئر حيث يدور المتقاعد كما يدور الجاموس المربوط في عنقه حبلاً، ويدور على شكل دائري ليرفع الماء من البئر. أم أن عليه أن يجدد عمره، ويطلق طاقاته ويستثمر خبراته، ويوسع مداركه ويؤثر ويتأثر بالمحيط بشكل إيجابي ويترك بصمته. بشكل عام، الإنسان المتقاعد المتوقد صحة وعافية يصرف وقته ما بين العمل التجاري، العمل التطوعي، العمل العبادي، رعاية الأسرة والاهتمام بالأبناء في كل شؤون حياتهم وحضور المناسبات الاجتماعية. والبعض الآخر منهم يصرف جزءًا أو معظم وقته في الديوانيات وتصفح النت وتقليب صفحات التيك توك وإعادة إرسال أغلب ما يصل له في السوشل ميديا للآخرين من معارفه دون أي فرز أو تمحيص. وهناك مجاميع من المتقاعدين تهتم بالسفر والاستكشاف للعالم والرياضة وشؤون الطعام والمطاعم والفعاليات والمؤتمرات. المتقاعد المريض، عافاه الله، يقضي وقته ما بين الجلوس على كرسي المرض وزيارة العيادات الخارجية وأخذ الحقن الطبية بشكل منتظم وبين التنويم بين الحين والحين الآخر. وهذه الفئة من وجهة نظري يمكن تصنيفها مرحلة كبار السن حيث يستحقون كل الرعاية والاهتمام. ويستحقون تكريمهم في نواد خاصة بهم.

في هذا المقال، سنسلط الضوء على جزئية قضاء الوقت في الديوانيات للمتقاعد المتعافي. في بعض الديوانيات يُعاد طرح ذات المواضيع على مدى سنوات وسنوات دون أي قراءة جديدة ودون استنطاق توصيات عملية وعلمية مرجوة للاستفادة منها في تسيير شؤون الحياة أو تسهيل أمور لمعارفه أو تحسين أوضاع أبناء الوطن. ولذا لا يشعر الغائب من الأعضاء لأي سبب بالخسران إن افتقد تلكم الديوانيات / المجالس، ولو انقضى قرن من الزمان. لأن التكلس والجمود هو الشعار الفعال. وفي ذات الوقت أولئك الأعضاء الآخرون يشعرون بالمزيد من الوحشة لتقلص عدد الأعضاء وبزوغ الشعور بالخسران أن افتقدوا أي عضو. فالأغلب مستأنس بالوضع الراكد للمياه، وان عبر بعضهم في بعض الأحيان بشي من الغبطة في نجاح من انصرف عنهم أو بالتهكم على من انصرف عنهم عند وصول أنباء عن وقوعه في خسارة مالية أو انفراطاوضاع لديه. فبعض الديوانيات مع مرور الزمن ينبت لديهم شعور النرجسية المحيطة بهم ظنا منهم بأنهم محور التأثير في كل المحيط. بعض الديوانيات وبعض المجاميع البشرية محقونة بأعضاء تسييرهم عواطف ناقصة النضوج وصبيانية التفاعل وعليه يرصد المفكر والمتعقل أفعال وردود أفعال منعدمة التوازن داخل ذات التجمع. وهناك النقيض من ذاك في ديوانيات ومجالس أخرى حيث الإبداع والنمو والإثراء والارتقاء والتواضع والتجديد والتنوع.

بالمجمل في أي ديوانية تسود فيها:

1 - التكرار الممل للمواضيع وانعدام الإبداع.

2 - الخشبية في الطرح وغياب المعالجات المبدعة.

3 - المجاملات البينية على حساب الفكرة الأصلية.

4 - الاصطفاف والحزبية في التفاعل بالتصفيق إن تم طرحها؛ مما يحب أحدهم أو التجاهل والجحود أن تم طرح ذات الفكرة من أشخاص آخرين.

5 - الانحيازات طبقا لمن قال وليس ما قيل.

6 - التنابز

7 - الغمز واللمز

8 - التفاخر

9 - التذبذب العاطفي

10 - التحالفات وانقلاب التحالفات داخل ذات المجموعة.

11 - الصراع على الزعامة الوهمية.

12 - حصد مكاسب لأحد الحضور على حساب الآخرين.

حتما تلكم الديوانية ستتمزق عضوية البعض من الداخل، وتتناثر إلى أشلاء مع تقادم الوقت.

ما هي المقترحات المطروحة للتطوير وبث الحياة داخل الديوانيات المتعثرة:

1 - كسر الرتابة في المكان والزمان والأسلوب والمحتوى.

2 - طرح مواضيع جديدة ومتجددة تلامس الواقع.

3 - منع الاصطفاف اللفظي والعلني والتشدد.

4 - الوقوف ضد أفعال الانحيازات قولا أو فعلا.

5 - منع التفاخر بالعرق والقبيلة والغمز واللمز والتنابز.

6 - فتح الفرص لكامل الأعضاء في إحداث الفعل والتغيير للأفضل.

7 - إدراج برامج استضافات للكوادر الأكاديمية والعلمية والطبية والتربوية والروحية بجرعات متوازن.

هل المعالجة ممكنة لترميم محتوى بعض الديوانيات:

المحاولة تلو المحاولة لفعل الجميل والأجمل أمر مطلوب وللفاعل بذلك شرف المحاولة في إيقاع الشيء الجميل حيثما يذهب. إلا أنه يبدو أن ذلك غير ممكن في بعض الديوانيات، وإن ادعى البعض إمكانية ذلك. لأنه قد ثبت لدى الساعي لتنقية الأجواء إن النيات غير سليمة والأقوال غير صادقة والأفعال خير شاهد وتنم عن عدم صدق النية. فبمجرد إصلاح عطب يندمل جرح وبمجرد تضميد جرح ينكسر عظم وبمجرد جبر عظم تنفجر أزمة جديدة وهكذا دواليك. وهناك ديوانيات تضم أغلبية عاقلة تستدرك حقيقة جمودها، وتجدد مراجعتها في الطرح بناء على الوضع القائم ومتغيرات الزمان، وتعيد تنقية أعضائها لخلق وضع أفضل وأكثر حيوية ونشاط وعطاء وتأثير. وفي الحقيقة أن لكل تجمع هناك أشباه شيوخ قريش وأن بعض شيوخ قريش يريدون السلطة والوجاهة وعبادة أصنامهم مثل هبل وعزة ومناة. فأعان الله أحباء محمد ﷺ في رحلة التغيير.

ما الحل في الأفق القريب لازمة انسداد روح الحيوية في بعض الديوانيات المملة الطرح:

1 - الإعراض عنها لمدة زمنية يُعتد بها عن تلكم الديوانيات القاتلة لروح الإنتاجية والمتسممة أجواءها بالنميمة والقيل والقال والتحزبات والتصنيم والتبجيل المفخخ. وإن لم ينفع فتكون الخطوة التالية.

2 - المبادرة في تكوين تجمع جديد خال من الأفراد المُسممين للأجواء والمستحوذين بغير حق على إدارة الديوانية تحت أي مسمى. وإن لم يكن بالإمكان صنع ذلك ف

3 - الالتحاق بديوانيات أخرى في ذات الحاضرة تضم مجموعة أفراد أكثر نضجا وتفاعلا ورزانة وتجديدًا وإبداعًا واطلاعًا وبصيرة واستشراقًا.

هذه دردشة سبقتها دردشات في مقالات سابقة. نتطلع وإياكم للمزيد من الفائدة؛ مما نقرأ ونكتب ونتفاعل معه، ونعلق عليه ونتباحث فيه.

ملحوظة 1: الديوانية مسمى رمزي لتجمع إنساني، ويشمل المعنى أيضا تجمع أماكن العبادات وعقد المناسبات ونادي اللياقة والمجالس. فتأمل.

ملاحظة 2: اقترح أن يقوم كل منا بعمل جرد ربع سنوي بما استفاد وأفاد بعد انضمامه لأي ديوانية أو ناد اجتماعي أو مجلس. فهل يُعقل أن يرضى أي شخص عاقل وواع على نفسه بعد رحلة خبرة عمل امتدت عقود أن يكون شبه طرطور أو إمعة أو مهرج في حضوره! تذكر إن «لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ» سورة الرعد، آية 38، فكن حريصًا أن يكون ذاك الكتاب مليئًا بالجيد. والجميل عنك.

ملاحظة 3: تنصل: إن صادف وأن طابق النقد البناء أعلاه أي ديوانية أو تجمع فإننا نخلي أي مسؤولية من ذلك. وإني أتعشم أن تقرأ المقالة من باب زراعة الأعمال الطيبة في جنبات كل مجتمع نبيل وبث روح المراجعة الداخلية في كل كيان لصنع الأفضل.

ملاحظة 4: البعض يعتبر الديوانيات محطة استراحة محارب بالنسبة له فلا يبالي ولا يهتم بأي شكل كان المحتوى والمضمون، ويرفع شعار «اللهم سلمني ومحمدا ولا تبقي بعدنا أحدا»