احترام النفس
يعد احترام النفس ركيزة أساسية عند الإنسان السوي، فهو لا يقبل السخرية والاستهزاء لنفسه على أي نحو كان، والهزء أو السخرية لغة: هو التحقير أو الإهانة، فالاستهزاء بشيء أو أحد يعني إبداء الاحتقار والإهانة له، والإنسان السوي كما يرفض أن يحتقره أو يستهزئ به الآخرون، فهو من باب أولى لا يحتقر نفسه ولا يهزأ بها، كذلك الحال عندما ينأى بنفسه عن احتقار الآخرين أو الاستهزاء بهم، فإن الأولى ألا يوجه الإهانة والاستهزاء إلى نفسه.
وقد تناول الإمام علي بن موسى الرضا بعض المظاهر والممارسات التي لا معنى لها سوى استهزاء مرتكبها بنفسه، حيث ورد عنه أنه قال: ”من استغفر بلسانه ولم يندم فقد استهزأ بنفسه، ومن سأل الله التوفيق ولم يجتهد فقد استهزأ بنفسه، ومن استحزم ولم يحذر فقد استهزأ بنفسه، ومن سأل الله الجنة ولم يصبر على الشدائد فقد استهزأ بنفسه، ومن تعود بالله من النار ولم يترك الشهوات فقد استهزأ بنفسه“.
مظاهر الاستهزاء بالنفس هي كالتالي:
1 - الاستغفار دون ندم، الاستغفار باللسان، مع الندم على الذنب بعد مظاهر الاستهزاء بالنفس، ذلك أن الاستغفار في جوهره لا يتأتى إلا بعد الإدراك الداخلي لحقيقة الذنب، ومن ثم الاعتذار عنه أمام الله سبحانه وتعالى، مع إضمار النية الصادقة في تركه والنفور منه، وعدم العودة إليه مطلقا، فإذا ما اكتفى المذنب بالاستغفار اللفظي، مع إضمار النية في العودة إلى ارتكاب ذات الذنب، فإن ذلك هو عين السخرية والاستهزاء بالنفس، وللشخص أن يتخيل نفسه وقد أخطأ على شخص آخر، فاعتذر منه ثم عاد لارتكاب الخطأ نفسه بحق الشخص ذاته، فهل أبقى المخطئ لنفسه بابا لقبول العذر مرة أخرى، أم أن اعتذاره لا يعد كونه استهزاء وسخرية من الآخرين، كذلك الحال في تصرف الإنسان مع ذاته، وورد عن رسول الله ﷺ أنه قال: ”خير الاستغفار عند الله الإقلاع والندم“.
2 - طلب التوفيق بغير اجتهاد، قد تكون عند الإنسان غاية يريد تحقيقها، فيسأل الله أن يحقق له تلك الغاية، فإن كان جادا في طلبه ذاك، فإن من المتوقع أن يسعى ويجتهد في سبيل تحقيقه، لا أن يبقى مكانه دون حراك أو سعي، فلا معنى لذلك سوى غياب الجدية في تحقيق الغاية التي يريد، وذلك نوع من الاستهزاء بالنفس، إن الغاية والمطالب، لا تنال بمجرد إلقائها على كاهل السماء، ليقوم رب العالمين بإنجازها نيابة عن العبد، بل على النقيض من ذلك، فالنصوص الدينية تتضمن تأكيدا متكررا على محورية السعي في حياة الإنسان، كما ورد في قوله تعالى: ﴿وأن ليس للإنسان إلا ما سعى* وأن سعيه سوف يرى﴾ وقال عز وجل: ﴿أم للإنسان ما تمنى﴾ الأمنيات وحدها لا يمكن أن تحقق الآمال، وبعد من ذلك، فالإنسان لن يحقق مراده متى ما اقتصر على الدعاء، دون بذل جهد في سبيل تحقيق ما يريد من الله قضاءه له، قال تعالى: ﴿ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله﴾ فالاستجابة من الله مشروطة بالإيمان والعمل الصالح باتجاه الغاية المطلوبة، وجاء عن رسول الله ﷺ أنه قال: ”خمسة لا يستجاب لهم... ورجل جلس في بيته وقال اللهم ارزقني ولم يطلب“ وقد ورد عن الإمام علي أنه قال: ”الداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر“ ويأخذ الدعاء دورا محوريا في تصويب الطريق، وتذليل العقبات، أمام الساعين والعاملين المجتهدين، نحو تحقيق أهدافهم، ومرد ذلك أن حركة الإنسان العامل تحتاج إلى أن تكون في الاتجاه الصائب، والمكان المناسب، فللدعاء دور كبير في رفع العوائق من أمام الإنسان العامل المجتهد، وأن تكون جهوده مبذولة في موقعها المناسب، فلربما يرمي الإنسان إلى البحث عن جهة أو شخص لقضاء أمر معين، كالبحث عن وظيفة جيدة، أو الحصول على العلاج الطبي المناسب،
ويبقى الأمل قائما في أن يمضي الإنسان في السعي والحركة، ويترك الباقي على رب العباد، وقد قيل: ”منك الحركة ومن الله البركة“ فإن كان الإنسان يسأل الله التوفيق من غير سعي، ومن دون أن يبذل كل جهده فهذا في الواقع إنما يستهزئ بنفسه.