آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 1:35 م

الطاقة الإيجابية

محمد أحمد التاروتي *

انبعاث النفوس المنكسرة، وإحياء القلوب المحطمة، عملية أساسية للارتقاء بالذات أولا، والبيئة الاجتماعية ثانيا، من أجل مواكبة إيقاع الحياة المتسارعة، لا سيما وأن البكاء على الأطلال والتغني بالماضي، يقضي على الروح القتالية لدى المرء، مما ينعكس بصورة مباشرة على العطاء بمختلف أشكاله، وبالتالي فإن سيطرة الروح السلبية على النظرة الشمولية للأمور، تكون آثاره وخيمة على الذات بالدرجة الأولى، وكذلك على البيئة الاجتماعية ثانيا، جراء سيطرة الأمراض السلبية في الثقافة السائدة، الأمر الذي يخلق الكثير من المشاكل، في كافة المجالات الحياتية.

زرع الروح الإيجابية في النفوس مرتبطا بالقابلية، للخروج من حالة اليأس والانكسار، التي تسيطر على البعض جراء تراكم الظروف القاهرة، وكذلك نتيجة التعرض لصدمات كبرى، بحيث تصبح الأمور أكثر سوداوية، مما يتطلب بذل الكثير من الجهود، لطرد هذه النظرة المتشائمة من النفوس، والعمل على تحريك النظرة في الاتجاه المعاكس، من خلال إبراز الجوانب المشرقة، وإسدال الستار على النظرة القاتمة، خصوصا وأن الثقافة السلبية تجلب معها الكثير من القرارات الخاطئة، وتعرقل جميع الخطط الساعية لوضع الأمور في المسار السليم، ومن ثم فإن أحداث تحولات جذرية في النظرة تجاه الحياة، مرهون بالقدرة على تكريس الروح الإيجابية، والعمل على إيجاد البدائل المناسبة، لتحريك الأمور في الاتجاهات المعاكسة، لاسيما وأن البرامج التدميرية أكثر تأثيرا على النفوس، من التحركات التفاؤلية في مختلف المراحل الحياتية.

انعكاسات الطاقة الإيجابية لا تنحصر في الدائرة الضيقة، وإنما تشمل الكثير من الفئات الاجتماعية، فالانبعاث القوي يحدث أثرا قويا على مختلف الشرائح بالمجتمع، من خلال التحرك الجاد لإحداث التغييرات الحقيقية في الثقافة الاجتماعية، حيث تلعب المفردات الثقافية دورا في تشكيل العقل الجمعي، مما يؤدي إلى وضع مسارات حقيقية، قادرة على نفض الغبار عن العقول النائمة، وتنشيط الذاكرة الاجتماعية بطريقة مختلفة للغاية، بحيث تضع في الاعتبار المكاسب المترتبة، على طرد اليأس من النفوس، والانطلاق بقوة نحو صناعة الذات، ووضع البيئة الاجتماعية في الاتجاه السليم، في مختلف الأصعدة الحياتية.

الظروف البائسة التي تسيطر على النفوس، تلعب دورا كبيرا في تطويق المرء بجميع الاتجاهات، مما يستدعي البحث عن المخارج، لكسر قيود تلك الدائرة لبدء حياة جديدة، حيث تشكل الروح القتالية المفتاح للانطلاق بقوة، في سماء الإبداع والعطاء، من خلال الاستفادة من الظروف القاهرة، ومحاولة توظيف تلك المعاناة بطريقة إيجابية، لاسيما وأن النظرة السلبية تعطل العقول، وتتسبب في الاستسلام، مما يسهم في زيادة المعاناة، فيما النظرة الإيجابية تبعث في النفوس القدرة، على تحويل الظروف الصعبة، إلى فرص مناسبة للانطلاق بقوة، فالإنسان بما يمتلك من إمكانات وقدرات، قادر على تحويل المعاناة إلى طريق نحو النجاح، من خلال الاستفادة من الإمكانات العقلية، والاستعانة من التجارب الحياتية المختلفة، مما يسهم في فك شفرات تلك الظروف القاهرة، وتحويلها إلى وسيلة نحو المسيرة الناجحة.

رفض ثقافة الاستسلام التي تحاول بعض الفئات الاجتماعية، تكريسها في العقل الجمعي، عملية أساسية نحو بناء الثقافة الإيجابية، في مختلف الجوانب الحياتية، فالثقافة السلبية ليست قادرة على رفد المجتمع بالحياة، وإنما تسهم في دفن البيئة الاجتماعية تحت التراب، وبالتالي فإن الخطوة الأساسية لإشاعة الطاقة الإيجابية، تتمثل في مقاومة السيطرة على العقل الجمعي، عبر مفردات تدميرية أو ممارسات سلبية، خصوصا وأن سيطرة الثقافة السلبية تشكل خطورة كبرى على الحالة الإيجابية، مما يستدعي التحرك بكل الإمكانات لوضع الحلول المناسبة، لمختلف التحركات الساعية، لتكريس الواقع البائس في النفوس، من خلال الإصرار على المراهنة على الطاقة الإيجابية، بالإضافة إلى التركيز على الإمكانات الضخمة، التي يمتلكها المجتمع لتحطيم الثقافة السلبية.

الإيجابية لا تعني التهور، وعدم الاستعانة بالأسباب، في مقاومة مختلف أشكال الثقافة السلبية، وإنما تعني التحرك وفق الظروف، والعمل على خلق المناخ المناسب، للسيطرة على النظرة المتشائمة، من خلال الاستفادة من الأخطاء الكارثية، والعمل على تجنبها، مما يسهم في تقليل العثرات، واختيار الطرق السالكة، للوصول نحو الغايات، وتحطيم مختلف أشكل القيود النفسية، التي تحاول بعض الأطراف تكريسها، في الواقع الثقافي الاجتماعي.

كاتب صحفي