آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 12:36 ص

من السابق: الحب أم التعارف؟

كاظم الشبيب

من أشكل المشكلات أن تتأخر معرفتنا بمن نحب، فيكون حبنا مجرد وهم مبني على توقعاتنا لا على معرفتنا بمن نحب. ويحدث العكس عندما تتأخر معرفتنا بمن نكره، فتكون كراهيتنا مجرد وهم مبني على ظنوننا لا على معرفتنا بمن نكره. بينما المعرفة وحدها هي السبيل للقضاء على أوهام التوقعات والظنون. فلا يتأكد الحب، أو تتثبت الكراهية إلا بعد معرفتنا الحقيقية بمن نحب أو نكره.

قد يكون هذا المفهوم واحداً من أهم بواعث الخطأ والفتن الإنسانية. ومن خلال هذا المفهوم نرى العالم عبر نظارات رغباتنا ومخاوفنا، وهكذا تختلط الحقائق بالأوهام. إننا نرى الآخرين ليس على حقيقتهم الفعلية، بل كما نرغب أو كما نخشى أن يكونوا، وهذا الانخداع لا يقوم مقام الحقيقة، إننا لا نعرفهم حقاً كما هم، بل فقط كما يخيل لنا، ونحن نتصرف معهم، ليس كما هم في الحقيقة، بل كما تشكلهم تصوراتنا.

يقول الفيلسوف وعالم النفس الألماني الأمريكي إيريش فروم حول فكرة ومفهوم ”التحويل“ عند ”فرويد“ والتي تعني أن المريض يتمثل شخصية من حياته فيلصقها بآخر ويتعامل معه على أنه تلك الشخصية، فيقول: "حدثني محلل نفساني يوماً عن إحدى مريضاته التي عاينها لمدة ثلاثة أسابيع. بعد هذه المدة نظرت إليه، في الوقت الذي كانت تغادر العيادة، حدقت به وقالت: ماذا، ليس لك لحية؟ والطبيب المحلل لم يكن له يوماً لحية، بينما كانت ولمدة ثلاثة أسابيع تعتقد أنه ملتح، لأن والدها كذلك. فالمريضة لم تنظر إلى المحلل يوماً بحقيقته كرجل، بل كان بالنسبة لها الرجل الوالد ولذلك كانت له لحية.*

لن تفيدنا رغباتنا أو مخاوفنا لتحقيق محبتنا أو كراهيتنا لمن نحب أو نكره. معرفة من نحب والتعرف على طبيعته وحقيقته هي الطريق الأعمق للحب الحقيقي. قد تؤكد المعرفة ميولنا في الحب أو الكراهية، أو ربما تنفيها. وهذه من الحقائق الأولية لنجاح مسيرة الحب بين الناس. في المقطع المرفق نظرة مناسبة للموضوع بعنوان ”لماذا نحب أو نكره أشخاصاً من أول نظرة؟“

* الحب أصل الحياة، إيريش فروم.