الإمام الرضا عليه السّلام ومواجهة الغلاة
قال تعالى ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَّا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [31] ﴾ التوبة.
كان دور أهل البيت ولا يزال محاربة الفرق المنحرفة وأصحاب العقائد الفاسدة، ومن ضمنهم الغلاة الذين اتخذوا أهل البيت أرباباً من دون الله أو تعظيمهم إلى حد تفويض الخلق إليهم بنحو الاستقلال أو يرزقون ويخلقون من دون الله مستقلين بذلك.
1 - تعريف الغلو.
2 - أدوار الإمام في ذم الغلاة والتحذير منهم.
3 - الحد الأوسط في التعامل مع فضائل أهل البيت .
كثرت تعاريف الغلو في اللغة والاصطلاح لتعدد صنوف العلم فيه، ولو أخذنا في الجانب الديني بتعريف يجمع بين الفرقين: هو تجاوز الحد في التعظيم المبالغ في الشيء أو التقصير المبالغ في الشيء. كما ورد في الرواية عن أمير المؤمنين : «هلك فيّ اثنان محبّ غالٍ، ومبغض قالٍ».
الغلو له ثلاثة أشكال:
[ غلو في محبة أهل البيت - غلو في التقصير عنهم غلو في التصريح بمثالب أعدائهم ]
الغلو في محبتهم كيف؟
أن تعتقد بأنّ الأئمة «عليهم السّلام» آلهة يعبدون من دون الله، وهو كفر وشرك عظيم، وقد تبرّأ الأئمة «عليهم السّلام» ممّن ادّعى الربوبيّة فيهم، ولعنوهم، وحذّروا شيعتهم من الارتباط بهم، ووضعوا ضابطة في التعامل مع محبتهم ووضعهم في مكانتهم من العبودية للحق سبحانه وتعالى مثل.
وفي تفسير الإمام، عن أبي محمد العسكري، عن آبائه قال: قال أمير المؤمنين «لا تتجاوزوا بنا العبودية، ثم قولوا ما شئتم، ولا تغلوا، وإياكم والغلو كغلو النصارى، فإني بريء من الغالين». [1]
وورد عن كامل التمار قال: كنت عند أبي عبد الله ذات يوم فقال لي: يا كامل اجعل لنا ربا نؤوب إليه؟ وقولوا فينا: ما شئتم. وورد عنهم. [2] وروي عن الصادق «اجعلونا عبيدا مخلوقين وقولوا فينا ما شئتم». [3]
وفي دعاء الإمام الرضا «عليه السّلام» [ اللهم إنا عبيدك وأبناء عبيدك لا نملك لأنفسنا نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، اللهم من زعم أنا أرباب فنحن منه براء، ومن زعم أن إلينا الخلق وعلينا الرزق، فنحن براء منه كبراءة عيسى بن مريم من النصارى، اللهم إنا لم ندعهم إلى ما يزعمون، فلا تؤاخذنا بما يقولون، واغفر لنا ما يدعون ولا تدع على الأرض منهم ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ]. [4]
تصدى الإمام الرضا لكل الفرق والتيارات المنحرفة التي تأسست أو وجدت في زمانه، ومن أبرزها:
1 - حركة الغلو والغلاة، وقام بالرد على جميع ألوان وأقسام الانحراف العقدي والفكري لها، وكان يستهدف الأفكار والأقوال تارة، كما يستهدف الواضعين لها والمتأثرين بها تارة أخرى.
2 - وله ردود عديدة على الغلاة والمجسمة والمجبرة والمفوضة.
3 - الفرق غير الإسلامية كالزنادقة واليهود والنصارى وغيرهم.
ماذا فعل الإمام ضد الغلاة؟
دعا الإمام الرضا إلى مقاطعة المنحرفين عقائدياً كالغلاة والمجبرة والمفوضة مقاطعة شاملة وكلية لمنع تأثيرهم السلبي في الأمة، وأسند هذه الأوامر إلى آبائه الأطهار.
فقال: «الغلاة كفار والمفوضة مشركون، من جالسهم أو خالطهم أو آكلهم، أو شاربهم، أو واصلهم، أو زوجهم، أو تزوج منهم، أو آمنهم، أو ائتمنهم على أمانة، أو صدق حديثهم، أو أعانهم بشطر كلمة خرج من ولاية الله عز وجل وولاية رسول الله صلى الله عليه آله وسلم وولايتنا أهل البيت.
من أقوال الرضا :
«لعن الله الغلاة إلا كانوا يهوداً، إلا كانوا مجوساً، إلا كانوا نصارى، إلا كانوا قدرية، إلا كانوا مرجئة، إلا كانوا حرورية. ثم قال لا تقاعدوهم ولا تصادقوهم، وابرؤوا منهم، برئ الله منهم. [5]
من الغلو: التصريح علاناً بمثالب أعداء أهل البيت
يتحدث عن أهداف الغلو والغلاة ونسبتها إلى أهل البيت؛
فقال: «إن مخالفينا وضعوا أخباراً في فضائلنا، وجعلوها على ثلاثة أقسام:
أحدها: الغلو.
وثانيها: التقصير في أمرنا.
وثالثها: التصريح بمثالب أعدائنا.
فإذا سمع الناس الغلو فينا كفروا شيعتنا، ونسبوهم إلى القول بربوبيتنا، وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا، وإن سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم، ثلبونا بأسمائنا، وقد قال تعالى: ﴿وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ [108] ﴾ الأنعام.
وقال: [إنما وضع الأخبار عنا، في التشبيه والجبر الغلاة، صغروا عظمة الله تعالى، فمن أحبهم فقد أبغضنا، ومن أبغضهم فقد أحبنا] [6]
وقال الإمام الرضا حينما لقي المأمون العباسي
قال المأمون العباسي للإمام الرضا : بلغني أن قوماً يغلون فيكم، ويتجاوزون فيكم الحد!
فقال : «حدثني أبي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب قال قال رسول الله ﷺ «لا ترفعوني فوق حقي فإن الله تبارك وتعالى اتخذني عبداً، قبل أن يتخذني نبياً، قال الله تبارك وتعالى ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ [79] ﴾ آل عمران. [7]
تصدى للغلاة وأفكارهم المنحرفة بكل قوة وحزم، محذراً من الانسياق وراء أفكارهم، ومبيِّناً للأمة خطأ منهجهم، وآمراً بمقاطعتهم حتى يمنع أي تأثير سلبي لهم على المسلمين.