آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 10:22 م

الشهرة والذكر الحسن

صالح مكي المرهون

هل يحسن أن يسعى الإنسان لأن يكون معروفا مشهورا في مجتمعه؟ وهل من السلوك الصحيح أن يسعى الإنسان أيضا لإشباع حاجته من الاعتراف والتقدير الاجتماعي؟

اعلم أيها الإنسان أن الدين عقيدة لا تخالف الواقع، والواقع يخبرنا بأن التميز في المجتمع أو الشهرة أنواع تختلف باختلاف الأشخاص والمجتمعات، والدين لا يخالف ذلك، بل يقبل قسما من التميز والشهرة، ويرفض قسما آخرا طالما تعارض مع العقيدة، فحين يشتهر فاسق ويجعله المجتمع متميزا، فهذا التميز محارب من الدين، أما أن يشتهر عالم أو شاعر أو مثقف أو كاتب أو خطيب ويتميز فهذا مباح، أما الميزة من خلال الدين، فهي أيضا أنواع، منها ميزة عملية أي في علوم الدين، ومنها ميزة أخلاقية أي أن فلانا من العلماء أو المشايخ وطلبت العلوم أو من الملتزمين، ملتزم جدا ومتميز في مجتمعه بالتزامه الديني.... وهكذا، أما الميزة التي في جوهر الدين فهي التقوى والمعبر عنها في النص الكريم «إن أكرمكم عند الله أتقاكم».

والشهرة غريزة عند كل إنسان، وخارج إطار الحسن والقبح لا تقييم لها، لذلك فهي مباحة، أما الاشتهار بما يبعد عن الدين أي بما يحارب الدين فهذا اشتهار بالإعراض عن الله، وأيضا اشتهار بجزاء عظيم من العذاب العظيم، والاشتهار بشيء مباح يترافق مع عصيان معين فهذا حرام.

والمؤمن لا يعمل لأجل الشهرة والسمعة والمكانة الاجتماعية فقط، أي لا يكرس وقته وعمله وطاقته وطاقات من حوله لأجل أن يشتهر، وهذا العمل يسمى رياء، ولا نفع له ولا للمجتمع بهذه الشهرة، فتكون هنا الشهرة أو العمل لها مكروهين، هذا إذا لم يكن فيهما خرق لأحكام الدين، وإلا حكمهما واضح مما سبق، إذن الشهرة إذا سعى لها الإنسان، وجعله هدفا فهذا خاطئ، أما إذا جعل الله هو الهدف، أي يعمل لوجه الله والتقرب إليه بهذا العمل هذا الذي يحببه الله والدين، والإنسان على نفسه بصير، وهذه هي الشهرة أو الاعتراف الاجتماعي والتقدير من المجتمع جاء نتيجة لذلك، فهذا أمر طبيعي، وإذا حصل التلذذ وهو لم يكن هدفا، فهذا أمر طبيعي أيضا، بمعنى أن على الإنسان أن يفعل ما هو صحيح، وما يترتب على ذلك في الدنيا والآخرة فلينعم بها الإنسان.

والحقيقة أن الشهرة في هذا العصر أطلقت واستخدمت استخداما سيئا، فالمشهورون شرعا أو المشهورون باطلا كالذين استخدمت شهرتهم بما ينفع الشيطان، فبدل أن تربى النفوس وتوجه التوجه الصحيح قنن هذا الاتجاه بقوانين وسلك به مسلكا معينا بحيث إن بعض الأشخاص ينتفعون ماديا من هذه الحالة عموما، والحديث عن الشهرة الباطلة والقدوة الباطلة حديث طويل، وسلبياتها غير خافية على أحد وخاصة الوالدين بالنسبة لأبنائهم، ولكن للأسف قد تجد حتى الوالدين يشجعان أبناءهما على الانقياد وراء شهرة لاعب ما أو مغنية ما أو باطل ما، فينفقون الأموال والأوقات ضاربين بالدين والقيم الجميلة عرض الجدار بدراية ودون دراية.

أما الذكر الحسن: وهو داخل في موضوعنا المتقدم، فهل يحسن للإنسان أن يسعى لأن يكون له ذكر حسن، وخاصة بعد موته، فتكون له ذكرى جميلة عند الناس؟ أم أنه داخل في طلب الشهرة المذمومة؟

عند التأمل البسيط والعلم بواقع الحال، فإن صيغة هذا السؤال ستكون زائدة، إن الواقع يخبرنا بعظمة الذكر الحسن وقوة تأثيره على الميت، والتأثير هنا طبعا إيجابي، فالذكر الحسن حسنة تسجل للميت، إذن فهو صدقة جارية فانظر كيف يؤثر! فالذكر الحسن نعمة من الله يرزقها الميت باستحقاق عن أعمال فعلها في حياته، وهي نعمة شاملة له ولأولاده، فالأحياء يرزقون معنويا وحتى ماديا ببركة الميت وحسن ذكره أولسانه الصادق، عن أمير المؤمنين «لسان الصدق للمرء يجعله الله في الناس خيرا من المال، يأكله ويورثه» فالمؤمن يكره الشهرة أو السمعة التي فيها رياء وهدفها ليس لوجه الله، ودائما يسعى المؤمن للشهرة والسمعة التي فيها رضى الله وهدفها الله سبحانه وتعالى.

اللهم اجعل لنا ذكراً حسن وشهرة وسمعة طيبة ترضي الله ورسوله بحق محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين.