آخر تحديث: 22 / 11 / 2024م - 1:35 ص

ظُلامَة نهايتها حُباً ورجولة وشهامَة

جمال حسن المطوع

في مقطع فيديو جدا مؤثر عاطفيا وأخلاقيا وإنسانيا، ترك بصمات تعبر عن مدى المشاعر الجياشة لدى بعض بني البشر وكيف تغير واقعهم من شدة وعنف إلى حب وحنان لا حدود له عندما تنقلب المقاييس، وتظهر الحقائق التي لا غبار عليها وينكشف المستور. هنا وهو الاختبار الفعلي وهل يحدث التراجع في الحسابات التي بنيت على مفاهيم خاطئة التي تحتاج إلى إعادة النظر وتصويبها بما يتفق والهدف المنشود، وقد مثل هذا المقطع الحيوي وجسد الواقع الذي سنتحدث عنه فيما يحمل من أحداث متشابكة.

يحكي هذا المقطع قصة أحد التلاميذ الصغار الذي كان يتأخر كل يوم عن الحضور مبكرا إلى الصف الذي يدرس فيه فيعاقبه المدرس فورا بضربه على يديه، ثم يأمره بالجلوس فينتابه الحزن والأسى ولكن ما باليد حيلة ولا مقدرة له على إيضاح سبب التأخير اليومي عن المدرسة لأنه لا يملك الجرأة التي تمكنه من ذلك حيث هيبة المعلم والخوف منه وضربه له ووضعه في موقف حرج جدا أمام زملائه، ولكن تشاء إرادة الله سبحانه إلا أن تتدخل وتنصف هذا التلميذ البرعم المسكين لتنكشف الحقيقة، ففي يوم من أيام الدراسة، بينما كان المعلم يقود دراجته متوجها إلى المدرسة، صادف أن رأى ذلك التلميذ الذي يتأخر كل يوم عن الحضور مبكرا، فراقبه وإذا بالطفل يقود كرسيا متحركا مسرعا بأخذ أحد إخوته من ذوي الهمم إلى مدرسته الخاصة به، بعد ذلك انطلق مسرعا ليسابق الزمن في الذهاب إلى مدرسته فما إن وصل وأطرق باب الفصل أذن له المدرس بالدخول، فمد الطالب يده كالعادة، فما كان من المدرس إلا أن أخذ ينظر إليه نظرات ملؤها الحنان والشفقة والعطف، فضمه المدرس إلى صدره وأخذت دموعه تتساقط على ما بدر منه من قسوة ونظرة حقد واشمئزاز بعد أن اتضح بأن الطالب لا حول له ولا قوة، فتنقلب المواقف رأسا على عقب.

هذه التجربة الثمينة القيمة لابد من جميع المربين الأفاضل في حقل التدريس بعدم الاستعجال في ردة الفعل من قبلهم حينما يواجهون نفس المواقف، فالمدرس عليه عدم التعجل في إصدار العقاب ضد هذه البراعم البريئة، فلعل وراء الكمأة ما وراءها، وقد علم شيئا وغابت عنه أشياء، فهؤلاء الطلاب أمانة في أعناق الجميع وعجينة طرية تحتاج إلى الصبر والعناية والتعامل معها بأريحية وسلاسة، حتى لا تخدش أو يصيبها أي خرق أو تشوه كي نخلق أجيالا تبني ذاتها علما وفهما لخدمة مجتمعها ووطنها على أرض صلبة مليئة ثقة واعتزازا وفخرا.