النبيل والوضيع
يُنسب لجلال الدين الرومي قوله: لا يشغلني من أساء إليّ فلست أجاريه. إنما يشغلني من أحسن إليّ كيف أجازيه.
ويقال بأن الفيلسوف الألماني ”نيتشه“ ابتكر معيارًا لتمحيص الشخص النبيل من الشخص الوضيع. وقيل بأن نقلًا عن مريديه أن الشخص النبيل في فلسفة ”نيتشه“ حساس تجاه أي شعور بالعجز لرد الجميل لمن أحسن إليه. فالشخص النبيل يكره أن يكون مدينًا لأي شخص، ويحب أن يقوم بمساعدة نفسه في كل مجالات حياته ما استطاع إلى ذلك سبيلًا. ويبذل فائض النعمة والقوة لديه لإطعام الآخرين أو تلبية احتياجاتهم الإنسانية الأساسية والمبادرة لصنع الجميل والدفاع عن المظلومين. ويسترسل بعض محبي الفيلسوف نيتشه في سرد الفكرة بالقول: لو قدم أحدهم للشخص النبيل مساعدة بسيطة يشعر الشخص النبيل بثقل المديونية على كاهله. ويشعر بالامتنان لمن قدم الخدمة له مدى حياته، وأحياناً يخلق ظروفا من العدم كي يرد له الجميل في أقرب فرصة وفي أفضل باقة وحفاوة، ويعامله كند، ويشكره شكرا حقيقيًا، وليس شكرا مصطنعًا أو رياء أو تزلفا أو تملقا أو مباهاةً أو بهرجة.
بينما الشخص الوضيع في فلسفة ”نيتشه الألماني“ يعتبر مساعدة الآخرين له حقا عليهم وليس دينا يجب أن يرده في قادم الأيام أو إحسانًا منهم نحوه يجازيه بالإحسان. ويشعر الشخص الدنيء بالرضى حين تُلبى رغباته الأنانية من قبل الآخرين ذلك لأنه مستغرق في ذاته النرجسية الأنانية. ويستخدم الوضيع النذل الابتزاز الأخلاقي والشعارات الرنانة المؤثرة مثل الانتماء العرقي وعنوان الأخوة والمكان والوطن والرحمة والإنسانية والدين والمذهب كي يحتال على ضحاياه ويصل مرامه! يتنكر الشخص الوضيع عن معظم من ساعدوه وإن شكرهم فإنه يشكرهم بشكل سمج ومستخف وعابر. ولا يشعر بثقل مديونية أن يقتطع أحدهم من وقته وماله وجهده وعلاقاته واتصالاته ويعطيه. لأن الوضيع يعتبر كل من أحسن إليه يؤدون أمرًا واجبًا على الآخرين نحوه! فترى الوضيع يشغل الآخرين لسد حاجاته وبمجرد بلوغ مرامه يتنكر لهم، ويسلب العرفان نحوهم، ويتوارى عن رد المعروف لهم. والواقع أن الدنيء يكشف عن أقنعة كان يرتديها.
مع شديد الأسف مع زيادة انخراط بعض أبناء المجتمعات في أيدلوجيات المصلحة الشخصية حد الوضاعة والفردانية حد النرجسية والأنانية وحب الأنا حد الكفر بالآخرين، أضحى على من يهمه الأمر الانتباه وحسن التمحيص والتدقيق لكي لا يكون أحد ضحايا الأشخاص الدنيئين. فالشخص الوضيع معول هدم في البناء الإنساني والبناء الاجتماعي والشركات والمؤسسات. وعليه وجب التنبيه والتنويه وعدم التهاون في أمانة الكرامة وكرامة العزة تحت أي عنوان.
ولنتذكر جميعا بأنه تمر بعض العصور أو الأزمنة يكون لسان حال البعض من الناس في بعض المدن: كلما زاد علم الشخص اقترب من العزلة، وكلما زاد جهله اقترب من أن يكون شخص إمعة، وكلما زاد تفاهة اقترب من الشهرة! وكلما نكر المعروف زاد دناءة. وكلما زاد منسوب رد المعروف وتبني الإحسان لديه نحو مجتمعه وأهله ووطنه كلما زاد نبلا وشهامة.
ملحوظة 1: لم أدقق ما تبناه مُريدي الفيلسوف نيتشه في موضوع معيار النبل والوضاعة، ولكن قد يكون المقال بهكذا قالب أكثر جاذبية لدى البعض من إيراد أقوال أنبياء أو مفكرين آخرين. والفكرة الأساس هي تجذير مفهوم ومعاني النبل وخصال النبلاء في بستان المجتمعات الإنسانية بغض النظر عمن قال.
ملحوظة 2: أتمنى إلى جانب معايير المبيعات والاستحواذ ونسبة النمو السنوي، أتمنى إطلاق معيار للكرامة والإنسانية وحسن التعامل يمحص المدراء والتنفيذيين الذين تؤول إليهم مصائر المستقبل المهني للآلاف الموظفين
ملحوظة 3: أتمنى من الشباب والفتيات أن يتأملوا في معايير حفظ الكرامة الإنسانية التي أولاها دين الإسلام للإنسان قبل الولادة وبعد الولادة وفي مرحلة الطفولة وعند المراهقة وفترة الشباب ومرحلة الكهولة وفترة الموت وحتى ما بعد الموت. ولا يغترون بأصحاب الدعوات الباطلة مثل أصحاب الإباحية واختلاط النسب وهتك الفروج وشيوع تعاطي الجنس المحرم وأدعياء إباحة الاعتداء على الأطفال وعبدة الشيطان ورواد الإجهاض للأطفال دون مبرر طبي ملزم واتباع التشبه بالأجناس ورافعي رايات انتقال الجنس. فما لكم كيف تحكمون.