آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

اختصار المعاجم: ضرورة أم ترف؟

الدكتور أحمد فتح الله *

يرى البعض من الخطأ اختصار المعاجم العربية التراثيّة، مثل ”العين“ للخليل بن أحمد الفراهيدي، و”الصحاح“ للجوهري، و”لسان العرب“ لابن منظور، و”تاج العروس“ لمرتضى الزبيدي وغيرها، وكذلك تهذيبها أيضًا «عدا تصحيح الأخطاء الكتابية وفي الأسماء والتواريخ والمعلومات غير اللغوية»، بل إبقاء المؤلَّف كما ابتغاه مؤلِّفه، فلا يحق لأحد التصرف فيه، وإذا تم ذلك فلا يكون المنتج بذات العنوان والاسم الأصلي.

وقد كنت من ضمن هذا البعض إلى وقت قريب جدًا، لكن أثبتت أبحاث علم اللغة التطبيقي الحديث «خاصة فرعه ”علم المعاجم“» أن اختصار المعاجم ضرورة حتمية لإنتاج أنواع متعددة منها نظرًا لاستمرار تغير الحاجة للمعاجم، ولتباين مستويات المستعملين لها وهذا التوجه تلتزم به المؤسسات المعجمية الغربية، على سبيل المثال، ”وبستر“ «أمريكا»، و”أكسفورد“ «بريطانيا» و”لاروس“ «الفرنسية» و”دودن“ «الألمانية»، لإصدارات معجمية معاصرة تستجيب إلى مستويات القراء المتعددة وتلبِّي احتياجاتهم المتنوعة وظروفهم المتجددة.

وإضافة إلى ذلك، ثمة ثلاث ملاحظات جديرة بالذكر والاهتمام:

الأولى: إنّ اختصار المعاجم عملية أصيلة وقديمة في التراث العربي. على سبيل المثال، زين الدين محمد بن أبي بكر الرازي «ت: 666 هـ » اختصر معجم صحاح الجوهري، وسمّاه ”مختار الصحاح“ [1] ، كما قام مرتضى الزبيدي صاحب «معجم تاج العروس» باختصار ”معجم العين“ للخليل الفراهيدي سمّاه ”مختصر العين“، وللخطيب محمد عبد الله الإسكافي مختصر آخر لمعجم العين بذات العنوان ”مختصر كتاب العين“. وكذلك عملية تهذيب الكتب هي أيضًا أصيلة في التراث العربي، على سبيل المثال، قام ابن منظور، صاحب ”لسان العرب“، بتهذيب ”درة الغواص في أوهام الخواص“ للقاسم بن علي الحريري سمّاه: ”تهذيب الخواص من درة الغواص“، وقام كذلك بتهذيب كتاب ”الحيوان“ للجاحظ.

الثانيّة: إنَّ المعجم المختصر هو معجم ”جديد“ إذا تم حسب قواعد علم المعاجم وصناعتها وليس على قدرات ومهارات المختصر اللغوية أو غيرها. وفي علم الترجمة وفنونها النَّص المترجم من «اللغة الأصلية»، حسب نظريّات المعنى، هو ”نص جديد“ يعبر عن نفس معنى النص الأصلي بلغة جديدة هي «اللغة الهدف». [2] 

الثالثة: إنّ الصناعة المعجمية حظيت باهتمام كبير من قبل المؤسسات الأكاديمية والمراكز العلميّة في العالم العربي، على سبيل المثال، ”مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي لخدمة اللغة العربية“، وكذلك جهود مجامع اللغة العربية واضحة في صناعة المعاجم العربية.

وكلّي أمل أن تركب دور الكتب وطباعتها في عالمنا، خاصة المتخصصة في نشر المعاجم أو المهتمة بها، هذا القطار خدمة للعربية وأصحابها ومتعلميها، متمنيًّا في ذات الوقت أن تكون لنا مؤسسات معجميّة على غرار المؤسسات الغربية التي رعت وترعى وتطور معاجمها الكبرى.

ومن المؤكد أن أتمتة المعاجم بإصدار معاجم إلكترونية، وخاصة المحمولة في الأجهزة الشخصية المتجولة، تساهم في تسريع إنتاج مختلف المعاجم الصغيرة والمتخصصة، ونشر الثقافة المعجمية وتوسيع مجالات الاستفادة منها.

[1]  يقول ابو بكر الرازي في مقدمة مختاره: ”هذا مختصر في علم اللغة جمعته من كتاب الصحاح [……] لَمَّا رأيته أحسن أصول اللغة ترتيبًا وأوفرها تهذيبًا وأسهمها تناولاً وأكثرها تداولاً، وسميته «مُخْتَارَ الصِّحَاحِ» واقتصرت فيه على ما لا بُدَّ لكل عالمٍ فقيهٍ، أو حافظٍ، أو محدِّثٍ أو أديبٍ من معرفتهِ وحفظه: لكثرة استعماله وجريانه على الألسن ممّا هو الأهم فالأهم خصوصًا ألفاظ القرآن العزيز والأحاديث النبويّة؛ واجتنبت فيه عويص اللغة وغريبها طلبًا للاختصار وتسهيلًا للحفظ. وضممت إليه فوائد كثيرة من تهذيب الأزهري وغيره من أصول اللغة الموثوق بها ومما فتح الله تعالى به عليّ، فكلُّ موضوع مكتوب فيه «قلتُ» فإنّه من الفوائد التي زدتها على الأصل“ «ص7».

[2]  يرى بعض علماء اللغة، والمترجمين أن الترجمة فن خالص، لأنها قائمة أساسًا على مهارة المترجم وبراعته. والبعض الآخر من الفريقين يرى أن الترجمة علم خالص، وذلك لأنها تتطلب معرفة بقواعد اللغة ومفرداتها وأساليب تركيب المعنى في لغتي المصدر «الأصل» والهدف، ومعرفة بنظريات الترجمة.
تاروت - القطيف