تكتل بريكس
مع الظروف الاقتصادية التي يمر بها العالم أبدت دول كثيرة منذ وقت ليس بالقصير اهتماما بالتعاون الاقتصادي من أجل تحقيق التنمية والوصول إلى هذا الغرض قامت منظمات وتحالفات والتكتلات الاقتصادية العالمية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمجموعة الأوروبية والمجموعة الآسيوية والعربية والخليجية وغيرها الكثير لما لها من أهمية تحتاجها البشرية في ظل أزمات متتالية.
هذا السعي الحثيث يهدف إلى إصلاح المسار الاقتصادي من أجل حياة أفضل للبشرية المظلومة من قبل هيمنة قوى عظمى وتكريس مبدأ العدالة والمساواة وتحقيق تعاون مشترك لمشروع إصلاح الواقع المتأزم، يحتاج إلى تغيرات جذرية ماسة يصلح ما أفسدته السياسات الاقتصادية الأحادية الجشعة.
بريكس يسعى لخلق عالم متعدد الأقطاب يعمل جاهدا لبناء مشاريع يعم خيرها الجميع، ويشكل بيئة ملائمة لتحقيق التطلعات المستقبلية بين دول أخذت على عاتقها استغلال موقعها وثقلها الإقليمي والسياسي والاقتصادي من أجل الانفكاك من واقع فاسد احتكر مقدرات العالم لفئة محدودة وقليلة.
هذا التكتل يعتبر من التكتلات الجديدة على الساحة الدولية، يبرز على خلفية اقتصادية وأهداف وتطلعات طريقها ليس ممهداً، بل هناك طوابير تتربص بكل تغيير لا يناسب تطلعاتها، ويكشف مخططاتها ويعري مواقفها التي أنهكت الاقتصادي العالمي وأفقرت العالم.
لازالت بركس حتى الآن مجرد تكتل ليس منظمة رسمية، مجرد تجمع سنوي لتبادل الآراء والتعاون المشترك بين دول الأعضاء وبينهم وبين دول تسعى جاهدة من الانفكاك من السياسات التي لم تثمر إلا الدمار والخراب في اقتصاديات دول العالم.
بداية المشروع والاجتماع الأول كان في مدينة نيويورك في سبتمبر على هامش اجتماع جمعية الأمم المتحدة، وبعدها تواصلت سلسلة الاجتماعات، وتأسس تكتل بريكس بداية من أربع دول هي الصين وروسيا والبرازيل عام 2006 باسم ”بريك“ وفي عام 2011 انضمت دولة جنوب أفريقيا وتغير الاسم إلى ”بريكس“ وهو الأحرف الدول المشاركة في هذا التكتل، عقدت أول قمة للمجموعة في 16 يونيو عام 2009، وآخر قمة عقدت 22 أغسطس 2023، وهذا التكتل محسوب على الجنوب في ظل وجود منظمات يعود ثقلها على الشمال، عرف هذا التكتل إنها مجموعة تضم البلدان القادرة على اتباع سياسات مستقبلية مستقلة وهي من أكثر الاقتصادات الناشئة يصل سكانها تقريبا ثلاث مليار نسمة ما يقارب نصف سكان العالم فالصين تعتبر ثاني أكبر اقتصاد عالمي والبرازيل في المرتبة السادسة وروسيا التاسعة والهند العاشرة وجنوب أفريقيا السادسة والعشرين حيث يعتبر هذا التكتل القوة الاقتصادية الأولى على المستوى العالمي، تتميز بميزات عالمية من حيث الكثافة السكانية والثراء في المواد الطبيعية التي يحتاجها العالم ولها مشاريعها ومواقفها الخاصة المستقلة البعيدة عن هيمنة مجموعات أخرى، مخططاتها تشكيل خارطة الاقتصاد والتجارة العالمية.
لهذا التجمع أهداف يتطلعون لتحقيقها على الواقع داخل التكتل وخارجه بالتنسيق المستمر والاجتماع السنوي، وتعزيز دور الدول النامية وتفعيل مبدأ العدالة في العلاقات الدولية وتبادل الخبرات والمصالح التي يعم نفعها الجميع وخصوصا الناحية الاقتصادية؛ مما يسهم في زيادة حجم التجارة والاستثمار بالعملات المحلية، مما يخلق جو من عدم التبعية والاستقلالية في اتخاذ المواقف المصيرية، وينعكس أثره على تعزيز الأمن والسلام ونظام عالمي متعدد الأقطاب قائم على سيادة القانون الدولي والمساواة في التعامل الإنساني حسب القرارات الدولية المستقلة وإصلاح ما يحتاج إصلاحه بعيداً عن ضغوطات قوى تريد فقط الهيمنة.
الأمل أن يتجاوز هذا التكتل المواقف المضادة والمؤمرات الخارجية والمشاريع الهدامة، أن تجمعهم المصالح المشتركة رغم الاختلافات الحضارية والتباين الثقافي والأبعاد التاريخية ومشاكل الحدود واختلاف وجهات النظر، كلها واردة سواء سياسيا كعلاقة بعض الأعضاء بكتل أخرى أو اقتصادية بسبب تفاوت القوى الاقتصادية، أن يكون هذا التكتل ولادة تجمع حضاري تلتقي فيه حضارات مختلفة لتشكل واقعاً إنسانياً يخدم البشرية جمعاء.
بداية العام الميلادي القادم 2024 سوف تنضم مجموعة من الدول ذات القوى الاقتصادية والموقع السياسي وقوى أخرى مهتمة بالانضمام لهذا التكتل قوة ومزيد من التأقلم بين جميع الأعضاء، فالطريق طويل والعمل من القوى المناوئة على قدم وساق لوقف أي تكتل يخرج عن المشروع الأحادي والفكر المهيمن.