آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:30 ص

الألق في حركة الإمام السجاد (ع) التبليغية «7»

الأبناء في بيئة آمنة:

ورد عن الإمام السجاد في رسالة الحقوق عن حق الولد: وأما حق ولدك فتعلم أنه منك، ومضاف إليك، في عاجل الدنيا بخيره وشرّه، وإنك مسؤولٌ عما وليته من حسن الأدب، والدلالة على ربّه، والمعونة على طاعته فيك وفي نفسه، فمثابٌ على ذلك ومعاقبٌ».

الإمام السجاد في هذه الوثيقة التربوية الذهبية يرسم الخطوط العريضة للمهام الملقاة على عاتق الآباء تجاه أبنائهم، فالوالدان إن تحملا المسئولية في توجيه وإرشاد أبنائهم ومتابعة سلوكياته فسيكون نتيجة ذلك توفير البيئة الآمنة والمفعمة عاطفيا لهم، ومتى ما تخليا عن تلك المسئولية وأهملا توجيهه ورعايته فإنهما لن يريا ما يسرهما من أفكاره وسلوكياته، فإن غياب الرقابة والمتابعة الأسرية تعد أهم أسباب انحراف الشباب وضياعهم في وسط متاهات الحياة، فتتسمم أفكاره بما يتلقى في وسائل التواصل وما يدور في أوساط منتديات الشباب الفالت والفاقد للتربية الصالحة، والقدوة الحسنة للطفل يتقبل منها توجيهه وخصوصا إذا تم تنشئته من خلال بيان المساوئ لما ينهيانه عنه وواكباه بالحوار الهادئ.

ويؤكد الإمام السجاد على أن الأب مسئول عن حسن أدب طفله، وذلك بتعليمه الآداب والأخلاق التي ينبغي أن يتحلى بها ويوجهانه لطرق التعامل مع الآخرين، فالخطر المحدق بأبنائنا عندما يهمل الوالدان توجيههم هو تأليه الذات وروح الأنانية والبحث عن المصالح دون رادع من القيم الأخلاقية والإنسانية النبيلة، فيتحول حينئذ لذئب بهيئة إنسان يمتاز بالانتهازية والخداع والتلون والأحقاد، حيث افتقاد الطفل للحنان والاحتضان من والديه يكون سببا لتولد شعور عنده بعدم المقبولية والاحترام، فينظر للآخرين المتنعمين بالمحبة من والديهم بعين الكره والبغض، فافتقاد الأبناء للتربية والتوجيه والعناية سيخرج للمجتمع أفرادا يسهل اتجاههم نحو الانحراف وارتكاب الجريمة.

ومن المسئوليات الملقاة على عاتق الآباء تجاه أبنائهم هو الجانب العقائدي وغرس المبادئ التوحيدية، وبالطبع فهذا يستلزم تنعم الأب بالزاد المعرفي والثقافي في هذا الحقل وقدرته على إيصال المعلومة بما يتناسب مع عقليته وطريقة تفكيره، وأسئلة الطفل عن وجود الرب وطريقة التعرف عليه ومهام الأنبياء وما يتوارد عقله من أسئلة أخرى لا ينبغي إهمالها أو محاولة إسكاته، فهذه الأسئلة تعد البذرة التكوينية لمعارفه العقائدية، وينبغي التعامل معها بحذر وبأسلوب يفهمه الطفل حتى تتكون عنده القناعات العقائدية السليمة، ونحن اليوم نواجه في وسائل التواصل الكثير من الشبهات والإشكالات المتعلقة بوجود الله عز وجل «الفكر الإلحادي»، بل ويبث في أفلام الكرتون ما يمس الذات المقدسة بغرض تسريبه إلى فكر ووجدان أطفالنا، وهنا يتحمل الوالدان المسؤولية المتعلقة بما يبث في التلفاز والأجهزة الذكية ومتابعته وتنبيه أبنائهم بتلك المخاطر المحدقة.

الآباء والأمهات يتلقى منهما الطفل التعاليم والتوجيهات، ويشكلان القدوة الحسنة عنده، وهذا لا يعني أنهما لا يرتكبان الخطأ والسلوك غير المقبول ولا ينطقان بالكلمة القاسية في لحظة انفعال شديد، ولكنها لغة الاعتذار التي يطبقانها بشكل عملي عند ارتكاب الخطأ، فتتشكل شخصيته المتسامحة والمتقبلة للخطأ منه أو الإساءة من غيره، ولكنه يهرع إلى محاسبة نفسه وتقديم الاعتذار بما يخلق عنده النفس المتواضعة والمتصالحة.

من أهم المبادئ والحقائق المتعلقة بشخصية الطفل هي أنه يتقن المحاكاة والتقليد بشكل احترافي، فما يتراءى أمام ناظريه من تصرفات وسلوكيات فإنه يحاكيها، وكذلك بالنسبة للكلمات التي تصل أذنيه يرددها ويتعامل بها مع الآخرين، ولا نبتعد عن الحقيقة إن قلنا بأن الطفل يعكس في تربيته وأساليب تعامله التعاليم الأسرية التي يتلقاها كما أن البيئة التي يعيش فيها هي مرآة أخرى لشخصيته، وأهم ما يوفره الوالدان لأبنائهم ذلك البيت الذي ينعمون فيه بالحرية واحترام شخصياتهم والدفء العاطفي، والبعد عما يعكر صفو هدوئهم ويسلبهم الاستقرار بسبب الخلافات المتصاعدة بين الوالدين والمشاحنات المصحوبة بالصراخ والألفاظ النابية، فالطفل في محاكاته نسخة أخرى من شخصية أبويه ولذا عليهما الحرص على تقوية شخصيته بالسلوكيات المقبولة والمحببة، فهما المرجعية لتصحيح ما يصدر منه من خطأ فيعملان على تقويمه وتعديله؛ لئلا تترسخ تلك الأفعال وتتحول إلى عادات وسلوكيات تترسخ في نفسه ويرشح عنها ما يجعله شخصية منفرة.