وهم المعرفة وأثره على الثقة بالنفس
يطّلع أحدهم بشكل مستمر على تغريدات مختلفة عن أهم مواضيع الذكاء الاصطناعي ويستمع إلى بودكاست أو اثنين بشكل أسبوعي في هذا المجال، ثم يدفعه شغفه واهتمامه بأن يشارك ما لديه من معرفة مع الآخرين، أو أن يُقدِم على بدء مشروع في هذا المجال، غير واعٍ لما يتضمنه هذا المجال من غموض وتعقيدات، الأمر الرائع هنا، هو أن هذا الشخص بادر وأقدم على نشر ما لديه من معرفة، وهو أمر حسن، إلّا أنّ الكارثة هي عند التحلي بالثقة المفرطة والتوهم بالإلمام التام بمجال اهتمامه، وهو ناتج من المعرفة البسيطة والسطحية التي صورت له التمكن من موضوع الذكاء الاصطناعي، غير أن هذه المعرفة المحدودة، حجبت عنه رؤية البحر الواسع من التفاصيل التي يكتنفها الموضوع، فوهم المعرفة الذاتية هنا قاد لتضخّم الأنا، وعدم القدرة على رؤية العيوب وجوانب النقص لمحدودية الإدراك الذاتي، فنتج عنه فرد ذو ثقة مفرطة بالنفس ومعرفة واهية ركيكة.
على الجانب الآخر هناك وهم معرفة من نوع آخر ناتج عن عمق معرفي، فقد نجد شخصا آخر باحثا وعاملا في مجال الذكاء الاصطناعي، ممن كرّس حياته ووقته لفهم المجال إلا أنه يشعر بأن ما لديه من معرفة هو لا شيء، لإدراكه بأن كل ما يعرفه يظل نقطة في بحر هذا المجال، ويتوهم أيضا أن ما يعرفه هو بديهي ومعروف لدى عموم الناس، ولا تميُّز يتفرّد به شخصيا على غيره.
ترتبط الحالتان المذكورتان بما أسماه عالما النفس ديفيد دانينغ وجوستن كروجر ب «تأثير دانينغ كروجر»، حيث تسيطر على الفرد حالة من الانحياز المعرفي يخطئ فيها في تقييم قدراته وإمكانياته، فيبالغ الشخص محدود القدرات أو المعرفة في تقييم نفسه وتصنيف قدراته، وتتملّكه حالة من الثقة المفرطة والاعتداد بالنفس، ليس غرورا منه بالضرورة، إنما جهلا منه وضعفا في إمكاناته، فهو واقعا غير قادر على التمييز ما بين الصواب والخطأ، وغير مدرك لما يرتكبه من أخطاء أو ما يجهله في مجاله.
أما الانحياز الآخر الناتج عن عمق المعرفة، هو انحياز ناتج عن توهم صاحب الكفاءة العالية والمعرفة العميقة بأن الآخرين متمكنين أيضا مما يتقنه، وعارفين بما لديه من معلومات، كما تؤدي معرفته الحقيقة لإدراكه بجهله لكثير من الأمور، فتنخفض ثقته بنفسه، وتتواضع وتتهذّب مع ازدياد معرفته الحقيقية.
الانحياز المعرفي أمر معرضون له جميعا، والخطأ في تقييمنا لذواتنا وللآخرين وارد، الحل هنا هو في طلب تقييم الآخرين لنا وتقبله برحابة صدر، على أمل أن نستشير الشخص المناسب الذي يُلفت أنظارنا للنقاط العمياء في ذواتنا، سواء كانت نقاط ضعف أو قوة.
الرسم البياني لتأثير دانينغ كروجر يشير لأعلى مستوى من الثقة بالنفس لدى الأشخاص الأكثر جهلا، وينخفض مستوى الثقة بالنفس بشكل حاد وملحوظ عند بدء التعلم وإدراك الجهل، على أن يبدأ مؤشر الثقة بالصعود تدريجيا مع تراكم الخبرة والمعرفة حتى الوصول لمستوى مستقر ومعتدل من الثقة بالنفس.