الألق في حركة الإمام السجاد (ع) التبليغية «6»
حقوق الأبناء وثيقة سجادية:
ورد عن الإمام السجاد في رسالة الحقوق عن حق الولد: وأما حق ولدك فتعلم أنه منك، ومضاف إليك، في عاجل الدنيا بخيره وشرّه، وإنك مسؤولٌ عما وليته من حسن الأدب، والدلالة على ربّه، والمعونة على طاعته فيك وفي نفسه، فمثابٌ على ذلك ومعاقبٌ".
رسالة الحقوق للإمام السجاد تعد بمثابة دستور أخلاقي وعملي يسير المؤمنون على هديه وتوجيهاته؛ لينعموا باستنارة العقل واستقامة السلوك وهدوء النفس أمام منحنيات دروب الحياة ومتاهاتها، فقبس الأنوار في تلك الرسالة يتضمن تلك القيم الأخلاقية الرافعة لشأن الإنسان والمحققة لتكامله، وتنزه نفسه عن الاتساخ بالرذائل والمعايب التي تسلخه عن الإنسانية النبيلة، وتلك القيم ثابتة لا تتغير في أي مرحلة زمانية وتبقى هي عنوان وهوية الإنسان، فالأخلاق صادرة من قوة النفس ومغالبة الأهواء ومصارعة تسويلات الشيطان وليس من الضعف كما يدعي البعض، كما أن مرحلة التقدم العلمي والتقني لا تلغي الصبغة الأخلاقية، إذ أن المبادئ تحث على سبر أغوار ميادين الحياة وتحترم مبدأ الطموح وتعظم الإنجازية والنجاح، وتحفظ المسيرة العلمية من الانحراف نحو العدوانية والاستبداد وتمزيق النسيج الاجتماعي.
رسالة الحقوق دستور ينظم من خلاله الإمام علاقات الفرد وفق مبدأ الحقوق والواجبات، فالإنسان يرتقي بتلك النظم والبعد عن الهمجية وحياة التوحش في الغابات، وكمثال على ذلك نجد أن الإمام يحفظ حقوق الأبناء بما يضمن لهم حياة أسرية مستقرة ومفعمة بالأمان والدفء العاطفي، يذكر مجموعة من الواجبات الملقاة على عاتق الآباء بكل وضوح، وخصوصا أنها ومضة أسرية منيرة تفتقدها بعض المجتمعات مما ينتج عنها الآثار الوخيمة على الأبناء وصولا إلى تدمير بناء الأسرة المتماسكة.
فاليوم يتعرض الأبناء لما يشوش أفكارهم ويحرف سلوكهم من الظواهر غير المقبولة، وهم كما عبر عنهم أمير المؤمنين بالأرضية القابلة لما يبذر فيها من أفكار وسلوكيات، قال : وإنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء قبلته.."، ولذا يحتاج الطفل إلى توجيه ومساندة والديه في تبيان الطريق الصحيح للتعامل معها لافتقاده للقدرة على التمييز واتخاذ القرارات المناسبة لوحده، كما أن تقسيم وقت الطفل بين مختلف الواجبات الملقاة عليه كالمهام الدراسية وتكوين البناء الاجتماعي له باختيار الأصدقاء المناسبين له والذين ينسجم معهم، وبناؤه النفسي والعاطفي والانفعالي يلعب فيه الوالدان الدور الأكبر لتظهر معالم القوة والاقتدار في شخصيته هي مهام يحلق في فضائها الأبناء بجناح مساندة الوالدين، ولعل البعض يجرم بحق أبنائه دون أن يعلم من خلال إهماله لتربيتهم وإرشادهم، فيكون الطفل حينئذ ضعيف البنية الفكرية والسلوكية ويقع فريسة سهلة لعوامل الانحراف والغزو الثقافي، فهذه وسائل التواصل الاجتماعي تحتوي على الكثير من البرامج والألعاب والمقاطع المرئية والمسموعة والتي تحمل التسميم الفكري والدعوة الخفية إلى الانحلال الأخلاقي، والضبط الذاتي في سلوك الأطفال والحصانة من الانزلاق إلى الظواهر السلوكية غير المقبولة تعتمد بشكل أساسي على تحمل الوالدين لمسئوليتهما تجاه أبنائهم وحفظهم من الآفات والمضللات الفكرية.
المحتويات الإعلامية اليوم تحتوي على الأفكار السطحية بحيث تغزو فكره فترى اهتماماته تتعلق بأمور لا تكسبه القوة في شخصيته بل ينحدر نحو الأمور فاقدة الأثر فضلا عما يضره ويجعله فريسة لغلبة الغرائز والشهوات المتفلتة، وكذلك الهدر لأوقاته إذ يبقى ملازما لتلك المحتويات في وسائل التواصل والحصيلة من ذلك لا شيء، فالانحدار في طريقة تفكير اهتمام الطفل وتوجيهه للاهتمام بالفاقد للقيمة والجدوى يعد تسلسلا منهجيا يغفل عنه بعض الآباء وهو يرى أطفاله قد أخذ كل واحد منهم زاوية في المنزل ظانا بأنهم بعيدون - كل البعد - عن مصادر الخطر والإضرار بشخصيتهم، وهو لا يعلم بأنه يقدمهم في وسط النار الملتهبة الحارقة لشمعة أعمارهم!!
يؤكد الإمام السجاد على الغريزة الأبوية والشعور العاطفي تجاه الأبناء فهم فلذات أكبادنا وقطعة من أبداننا، وبالتالي لا ننفك عنهم بأي حال من الأحوال وعلينا أن ننظر لنجاحهم وتقدمهم وكأنه الإنجاز الذي نرغب في تحقيقه لأنفسنا، هذا الشعور بالانتماء والمسئولية الحقيقية عن الأبناء ومدى فداحة المخاطر التي تحدق بهم، يعد الدافع القوي المؤثر والمحرك نحو العمل والتوجيه المثابر لهم بالأساليب التربوية المناسبة وذات الجدوى.