أراجيز الطف 46
تتضمن أرجوزة الشهيد عبد الرحمن ابن عبد الله اليزني، في يوم عاشوراء، التعريف بالذات، والجهر بمناصرة سيد الشهداء من أجل نصرة الدين، بالإضافة إلى التفاخر بأصوله العائدة إلى اليمن، فضلا عن امتلاك الشجاعة للإطاحة بالرؤوس في ساحة المعركة، المسارعة إلى ساحة الجهاد بكل عزيمة وثبات، بهدف الفوز في الدنيا والآخرة، بالإضافة إلى إدخال العدو في نار جهنم.
يبدأ الشهيد عبد الرحمن اليزني، في الشطر الأول من الأرجوزة، بالتعريف بالذات وإحاطة الجيش الأموي علما، بهوية البطل المنحدر إلى ساحة المعركة، من خلال التفاخر بعشيرته التي ينتمي إليها، فهذه العشيرة تحفل بالأبطال، وتمتاز بالشجاعة في ساحات القتال، خصوصا وأن عشيرة ”يزن“ من العشائر المعروفة لدى القبائل العربية، حيث تنحدر من بلاد اليمن، الذي يضم الكثير من الأبطال، في التاريخ الإسلامي، فالشهيد عبد الرحمن اليزني، حرص على التعريف بالذات، من خلال الانتساب إلى والده ”عبد الله“، وعدم ذكر اسمه في الأرجوزة، كنوع من التفاخر بأبيه التي يمتلك شهرة واسعة في ساحات المعارك، بالإضافة إلى فان تجاهل ذكره ”اسمه“ في الأرجوزة، لا يمثل الضعف أو الافتقار إلى البطولة في القتال، بقدر ما يستهدف تذكير العدو بالبطولات التي سطرها والده، في جميع المعارك التي خاضها، ف ”هذا الشبل من ذلك الأسد“، وكذلك فإن التعريف بالذات في مستهل الدخول في ساحة كربلاء، يهدف إلى وضع العدو في الصورة، وعدم التجاهل أو الاستهتار، خصوصا وأنه من الشخصيات التي تمتاز بالبطولة والشجاعة، مما يعني أن الموت سيكون مصير كل من يحاول اعتراضه طريقه، أو طلب المبارزة في ساحة المعركة، حيث يقول ”أنا ابن عبد الله من آل يزن“.
فيما يجاهر الشهيد عبد الرحمن اليزني، في عجز البيت الأول بالأرجوزة، بالسير على نهج ”سيدا شباب أهل الجنة“، فهما يمثلان الدين الإسلامي بعد رسول الله وأبيهما، وبالتالي فإن التمسك بهذا النهج يقود إلى السعادة في الدنيا والآخرة، بينما السير خلف عبيد الله بن زياد يقود إلى الهلاك والخسران، في الدنيا والآخرة، خصوصا وأن هناك اختلافات كبيرة في المبادئ التي يدعو إليهما ”سيدا شباب أهل الجنة“، والانحرافات التي يدعو إليها عبيد الله بن زياد، فالأولى تضع القيم الإسلامية في المقدمة، والحرص على الحفاظ عليها، والتضحية في سبيل الدفاع عنها، بينما الثانية تتحرك لهدم القيم الإسلامية وتغليب الأهواء والشهوات، والعمل على الانغماس بالملذات الدنيوية على التمسك بالقيم الأخروية، الأمر الذي يفرض التمسك بالقيم التي يدعو إليها سيد الشهداء ، باعتبارها الطريق الصحيح إلى الفوز بالجنان، فدين الحسين يشكل الإسلام الحقيقي، وبالتالي فإن محاولات تزييف الحقائق، ونشر الدعايات والشائعات، بخصوص النهضة الحسينية، ليست قادرة على زعزعة أصحاب المواقف الثابتة، وأصحاب البصيرة الواضحة، حيث يقول ”ديني على دين حسين وحسن“
ويركز الشهيد عبد الرحمن اليزني، في الشطر الأول من البيت الثاني، من الأرجوزة، على الشجاعة والبطولة التي يمتلكها في مواجهة الجيش الأموي، فهو قادر على توجيه الضربات القاتلة للعدو، نظرا لتوارث هذه الصفة من أبيه ”عبد الله“، وكذلك من عشيرته ”يزن“ القاطنة في اليمن، فضلا عن كونه في ريعان الشباب، مما يجعله قادرا على الوقوف في وجه كل شخص، يحاول الاقتراب من الإمام الحسين ، من خلال الضرب المباشر والقوي في ساحة القتال، لاسيما وأن الجميع يدرك مقدار الشجاعة، التي تمتاز بها عشيرة ”يزن“ في المعارك، فالهزيمة تمثل النتيجة الحتمة لكل من تسول له نفسه، استفزاز عشيرة ”يزن“، وإعلان الحرب عليها، ومن ثم فإن قطع الرؤوس المصير الحتمي للجيش الأموي في ساحة الطف، فالشهيد عبد الرحمن اليزني، يتفاخر بقوة الضربات التي يوجهها للعدو في القتال، فهذه الضربات يصعب تحملها، كونها صادرة من ”فتى“ يمتلك بالشجاعة والإقدام، مما يعني أن الطريقة الوحيدة لتفادي الموت، تتمثل في الهرب من المواجهة، وعدم الوقوف أمامه في المعركة، باعتبارها الوسيلة الوحيدة للبقاء على قيد الحياة، حيث يقول ”أضربكم ضرب فتى من اليمن“.
ويكشف الشهيد عبد الرحمن اليزني، في عجز البيت الثاني من الأرجوزة، عن الغاية والهدف من النزال في ساحة الطف، والتضحية بالذات حتى الرمق الأخير من أنفاسه، فهذه الغاية تتمثل في القرب من الفيض الإلهي، والفوز بالرضوان في الدنيا والآخرة، فالقتال إلى جوار سيد الشهداء يمثل الطريق الوحيد للخلود في الجنان، مما يستدعي بذل النفس في سبيل الدفاع عن العترة الطاهرة ، حيث يستخدم الشهيد عبد الرحمن اليزني، مفردة ”أرجو“ هذه المفردة لا تمثل التشكيك، أو انعدام اليقين في المصير المنتظر، لمعسكر سيد الشهداء ، وإنما استخدمت هذه المفردة من باب ”التأدب“ في مخاطبة الخالق، مما يكشف الجانب العرفاني الذي يمتاز به، في الطريقة المناسبة لمخاطبة الخالق، فالتخاطب مع الله سبحانه وتعالى يكون بمفردات تمتاز بالأدب الشديد، فالرجاء الطريقة المناسبة في عملية التخاطب مع البارئ في جميع الأمور، حيث يقول " أرجو بذاك الفوز عند المؤتمن،
وتنقل كتب السيرة أن الشهيد عبد الرحمن اليزني، كان المبارز التاسع من أصحابه ، حيث ارتجز أثناء انحدار في ساحة المعركة:
أنا ابن عبد الله من آل يزن* * * ديني على دين حسين وحسن
أضربكم ضرب فتى من اليمن* * * أرجو بذاك الفوز عند المؤتمن