آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:30 ص

الجرائم والهاكرز وتقوى الله

المهندس أمير الصالح *

يبدو أن تصاعد معدل جرائم النشل في الموسم السياحي الحالي ببعض مدن أوروبا، أرعبت الكثير من السياح. وجعلت البعض الآخر من السياح يغير وجهته أو يُرحل تخطيطه أو يلغي إجازته. ولعل ترند فيديوهات موثقة لحالات النشل ومقاطع التحذير المتضمنة الجملة الإيطالية الشهيرة …Attenzione … Pickpocket الأكثر تداولا في السوشل ميديا في موسم الصيف الحالي. وانذهل الكثير حول العالم لما حدث ويحدث من نشل وسرقة للسياح والزوار في تلكم المدن الأوروبية. وقد كنت شخصيا ضحية لجريمة نشل في ميترو باريس في عام 2016 م. ومع توثيق البلاغ رسميا في دائرة شرطة باريس الفرنسية، إلا أنه حتى يومنا هذا لم يردني أي رد منهم.

ويبدو أن تصاعد مُعدل جرائم السطو للمحلات والسيارات والشقق في بعض مدن الشرق والغرب السياحي على ضفاف القارة الأمريكية أرعبت الكثير من السكان المحليين والسياح الأجانب. وكذلك كثرة الصور البشعة التي تردنا عن افتراش المشردين ومدمني المخدرات لعدة شوارع رئيسية، وتوارد أخبار شبه يومية في وكالات الأنباء العالمية عن حوادث إطلاق نار عشوائية في مجمعات تجارية في بعض مدن أمريكا الرئيسية أو حوادث تصادمات عنيفة بين بعض الأعراق المتباينة في لون البشرة في الأسواق والمواصلات العامة أو حوادث تلاسن أصحاب الألوان الملونة المجاهرين بممارسة الرذيلة في الأماكن العامة تجعل الإنسان المستقيم يعيد حساباته في زيارة تلك المدن، حتى لو زيارة خاطفة فضلا عن الإقامة في تلكم المدن لمدد زمنية مُعتبرة. وما مقاطع الفيديو المنتشرة بكثرة، لا سيما في مواقع يوتيوب وتيك توك وتويتر عن تلكم الجرائم والتلاسنات والاصطدامات العنيفة في تلكم المُدن الغربية ألا توثيق لما حدث ويحدث حتى الساعة.

كما أنه يبدو أن جرائم الغش والازدواجية في التعامل والازدراء بدوافع الكُره والحقد والنبذ العرقي والحسد في بعض مدن الأناضول ضد بعض السياح العرب، أحدث جروح نفسية عميقة في نفوس الكثير من أبناء منطقتنا. وجعل الكثير منهم يلغي حجوزاته الفندقية، ويقطع مدة إقامته ويرجع أرض بلاده، أو يغير محطة سفره، أو يلغي فكرة السياحة في تلك المدن.

وعلى صعيد آخر، يبدو أن انفجار معدل جرائم الهاكرز «الاختراق الإلكتروني» في العالم الرقمي الإلكتروني للحسابات البنكية الفردية قض مضاجع كل صاحب حساب إلكتروني في أي تطبيق في العالم الافتراضي. ما زلنا نتذكر فيروس I love you وفيروس شرنوبل وفيروس wanna cry.

وقد تمردت عصابات الهاكرز للحد الذي لا يمكن تصوره، فابتدت بعضها تفرض نفسها على أعتى قوى نظامية في العالم من أجل ابتزاز المال. فنسمع عبر المذياع عن مجموعة Black hat ومجموعة Ransome war وغيرهم … والتي استطاعت أن تسرق بيانات عملاء وأموال وأرصدة ومدخرات البعض من الناس في بنوك متعددة حول العالم، لا بل استطاعت بعض تلك العصابات أن تعطل أجهزة مستشفيات، وتعطل خطوط طيران، وتجمد برمجية شركات توزيع مواد غذائية أو تجميد برمجيات شركات نقل وقود، أو تشغل خطوط إمداد توزيع طاقة للمنازل، أو تمسح بيانات مجرمين من سجل وزارة عدل، أو تلغي ملكية أفراد لعقارات أو التلاعب في كشوفات حسابات مالية!!

يتبادر لذهن الإنسان العادي سؤال بريء وهو: هل فشلت كل أدوات الإنسان العاقل في القرن الواحد والعشرين في ضبط سلوك أخيه الإنسان المجرم على هذا الكوكب اليتيم؟ هل فشلت كل أدوات الردع المعمول بها حاليا في الأنظمة الديمقراطية وغير الديمقراطية في تهذيب سلوك المنحرف من الناس أم أنه كلما ازدادت قوانين التسامح والتراخي مع المجرمين انبطاحا وتعاطفا، كلما ازداد الإنسان المجرم الجاني تمردا وعلوا وفسوقا!!!

وصلت بعض الأمور في بعض الدول تشريع إسقاط تجريم:

- الاعتداء على الأطفال

- التعاطي بالمخدرات في العلن والاتجار به

- ”ضبط المجرم وإطلاق سراحه Catch and release“

كل ذلك قد يكون تماشيا مع شعار ”إن لم تستطع أن تهزمهم فكن معهم!“.

هل وجود تقنيات عالية وأقمار صناعية متطورة وروبوتات متطورة ووسائل نقل متعددة وتطبيقات ذكية متقدمة ضمنت لنا وجود إنسان أكثر إنسانية أم أكثر عدوانية ضد الآخرين؟!

هل فشلت أنظمة المراقبة الرقمية وتحليل الصور للوجوه Face recognition والأمن الميداني ونشر قوات أمنية على الأرض وفرض العقوبات الجزائية وأوامر التفتيش، والتي في مجملها هي أنظمة مُكلفة ماليا وإداريا في ردع أهل السوء والرذيلة والانحراف. وفي ذات الوقت، هل ضمنت تلكم الأنظمة كامل السلامة والأمان في داخل تلك المجتمعات في حجب جرائم الاغتصاب والقتل الغير مبرر والاعتداء على الأملاك والحرمات في كل مكان؟!. نعم نقر بأن رجال الأمن والقانون الأوفياء والصادقين ساهموا ويساهمون في تقليل معدل الجريمة وحفظ الأمن وما يمكن حفظه من حقوق وردع من يتم القبض عليه من المجرمين القابلة أنفسهم للردع والتوبة النصوح. فشكر الله سعيهم وأثابهم. إلا أنه كل تلكم الجرائم، والتي مررنا على ذكر بعضها بعجالة وما قد يتم استحداثه من أنواع وأساليب إجرامية في المستقبل من قبل شرار الخلق، جعلت عدداً ليس بالبسيط من أهل الأرض «وهم الأكثرية الصامتة» يضجون ويتضرعون إلى الله العلي القدير، ويشتكون لما أصابهم من ذعر وخوف، ويستنجدون بالله بالقول:

الغوث الغوث خلصنا من النار يا رب. … الغوث اللهم خلصنا من الأشرار وكيد الفجار …. الدعاء

اللهم إنا نشكو إليك فقد نبينا ﷺ وغيبة ولينا وقلة عددنا وكثرة عدونا وتظاهر الزمان علينا … الدعاء.

بالفعل افتقدت البشرية أنبياء الله، واشتاقت الأنفس لروح النبي الأكرم محمد ﷺ، لما رأته وتراه وتعيشه من انتكاسات في الأخلاق وتشويه متعمد في الفطرة وتخبط في إصدار القوانين الوضعية لبعض البلدان العالمية وغياب الحلول الجذرية لخلق الطمأنينة في كامل الآفاق وتزايد عدد المعتدين والمجرمين في العالم.

وحتى يحين وقت استجابة الله جل جلاله دعاء الصادقين من كل مجتمع في هذه الأرض، فلا بد أن نزرع وإياكم التقوى في قلوبنا أولا وقلوب محيطنا البشري، وفي كل مكان يمكننا فعل ذلك. فالتقوى حيث استحضار صور يوم القيامة وحيث استشعار حب الله لنا في قلوبنا والاستبشار بالنعيم الموعود والنفور من أعمال الشيطان والحياء من الله جل جلاله، قبل وحين وبعد الكلام والأعمال الصادرة عنا. هكذا سلوك يجعل الجميع يشعر بالمسؤولية في صنع الأمن، ويرتدع عن فعل المحرمات، ويساهم في تجذير سلوك المعروف وبذل الخير وتجنب الشر وتفادي إيذاء الخلق وصيانة الحقوق والحفاظ على الحُرمات. حتما تقوى الله سبحانه وتعالى هي الأنجع في تربية النفس، وردعها عن ارتكاب المحارم وتجنب اغتصاب الحقوق. لأن الشواهد المسجلة ضد المجرمين أثبتت أن رفع هراوة أو التقاط صورة لفاعل المنكر أو إلزامه بتعهد خطي أو طلب إصدار سند أمر مالي لمستحقه أو إيداع المجرم في زنزانة لفترة زمنية، لا يعني أن المعضلة تم حلها جذريا. لأن المشكلة أعمق من عقاب جسماني أو ردع لفظي زاجر أو فرض سلطة في مكان ما بقوة سلاح، وإنما هي تدخلات شائكة بين شؤون مختلفة منها عدالة اجتماعية وتكافؤ فرص واحتواء وتجذير روح تقوى الله ومراقبة السلوك بشكل شخصي واعتماد نموذج قدوة ناجحة. وشخصيا أعتز وأفتخر بمجتمعنا بكل أطيافه الوفية وجميع سكان أرض وطننا الغالي، وتظافر جهود الجميع من قيادة ومواطنين ومقيمين وزائرين ومعتمرين وحجاج في جعل أرض بلادنا واحة أمن وأمان وصيانة حقوق وحفظ أعراض واحترام كرامات. وأنا أدعي أن الإيمان بالله حقا وصدقا وعملا بكل إخلاص وتفان إن صدر من كل إنسان وبعيدا عن الرياء وبعيدا عن النفاق سيجنب بني آدم في أصقاع الأرض الكثير من المتاعب، وتخفض معدلات الجرائم إلى الأدنى ويدفع بمستويات الإنتاج والرخاء والأمان أكثر مما فعلته الأقمار الصناعية للاتصالات وأجهزة المراقبة والتنصت والحواسيب والخوارزميات. وللعاقل الحق في أن يتأمل في ذلك الادعاء، ويبرهن على ما هو ضده. وأدعو كل شريف ومحب للإنسانية إن كان لديه نموذج عمل تربوي يصلح لكامل البشرية في خفض معدل الجريمة وزيادة الانضباط أفضل من مقاربة ”تقوى الله“ لمنع انتشار الجريمة وخلق رادع داخل قلب كل إنسان، فليتقدم مشكورا بطرحه على سكان الأرض مع آليات العمل به.