زين العابدين (ع) يبطل السحر الأموي
لم يدرك الفرعون أنّ موافقته على يوم الزينة ليكون موعداً لتحديه موسى بالسحر، كان وبالاً عليه، وإعلان هزيمة له ولإفتراءاته وتدليسه على الناس، وسقوط لأيديولوجيته القائمة على ربوبيته، على مرأى ومسمع من الناس ﴿قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى﴾ [طه: آية 59]. وكان ذلك اليوم سبباً لغرق الفرعون فيما بعد. فلقد انتصر موسى انتصاراً باهراً، وأبطل ما كان يعمل السحرة، بل حتى السحرة آمنوا بدعوة موسى. فكانت هزيمة كبرى لفرعون وإبطال لسحره الذي كان يستخدمه ليخدع به الناس.
فالهزيمة الحقيقية لم تكن فقط للسحرة، بل إن السحرة آمنوا وتابوا على يد موسى، ولكن الهزيمة الحقيقية هي كانت للفرعون وما يدعيه من ربوبية ليحكم بها الناس، ويتسلّط عليهم. فسقوط السحرة هو سقوط لكذب وتدليس الفرعون على قومه. وإنّ اتباع فرعون لموسى بغية لقتله، هي محاولة لهزيمة موسى فكرياً، وانتصاراً لأيديولوجية الربوبية التي نشرها بين الناس. ولكن اتباع الفرعون لموسى كان سبباً لغرق الفرعون وجنوده في البحر.
كذلك نجد أنّ بني أميّة بعد قتلهم الحسين ، عمدوا إلى سبي نسائه وعيالاته إلى الشام، وجعلوه يوم زينة، وأمروا الناس بلبس الزينة والخروج من المنازل لرؤية السبايا، ورؤية الانتصار العزيز الذي حققه بني أمية. لم يدر بخلد بني أميّة أن الإمام زين العابدين وكذلك السيدة زينب والسيدة رقية سوف يبطلون سحرهم، ويقلبون الرأي العام ضدهم. وما أرادوا أن يصوروه للناس بأنه انتصار، كان في حقيقته هزيمة وعار لا يمحى.
فأي انتصار ممكن أن يدعيه بني أمية في قتل ذريّة رسول الله وسبي نسائه وأحفاده. وكانت الخطب والكلمات التي ألقاها الإمام زين العابدين، وألقتها السيدة زينب عليهما السلام بمثابة عصى موسى التي أكلت ما يأفكه بني أمية من سحر يخدعون به عقول الناس.
لقد انتصر الإمام زين العابدين وانتصرت زينب على جبروت ومكر بني أمية انتصاراً باهراً، وأبطلوا ما كان يفعله بني أمية من خداع الناس في الشام وتضليلهم عن الحقائق. فكلمات الإمام زين العابدين كانت وضاءة ومظهرة للحق من الباطل، وكانت بداية النصرة للإمام الحسين بإظهار مظلوميته وأحقية قضيته. فأول من نصر الحسين بعد موته هم الإمام زين العابدين والسيدة زينب وبقية السبايا والأطفال.
إن استشهاد رقية على رأس أبيها الحسين أظهر مدى وحشية الأعمال الأموية التي كانوا يصبغونها بصبغة دينية، وكذلك أظهر مدى مظلومية الإمام الحسين ومصداقيته. ولم يستطع بنو أمية أمام جبروت العصا التي ألقاها الإمام زين العابدين بخطبته في القصر الأموي، إلا أن يرجعوا السبايا معززين مكرمين إلى دار جدهم، ويبدوا الندم على ذلك، ويلقي كلٍ باللوم على الآخر.
وكما أن موسى فلق البحر بعصاه، ونجّى بني إسرائيل من بطش الفرعون، وترك البحر رهواً ليغرق فيه فرعون وجنوده. كذلك فإن الإمام زين العابدين فلق بحر الأفكار والأيديولوجيات الضالة المتلبسة بلباس الإسلام، ونجّى المؤمنين الذين اتبعوه من الغرق في الضلال والبعد عن الحق. فلقد رسم الإمام زين العابدين، بتشريعه البكاء على الإمام الحسين، طريقاً في البحر يبساً لينجي به شيعة آل محمد. ولقد رسم الخط العريض للمذهب الشيعي، وآذن باختلافه عن بقية الأفكار والأيديولوجيات. ورسم من بعده الأئمة الطاهرون تشريعات وحود مذهب أهل البيت.
لقد جعل الإمام زين العابدين من مقتل أبيه الحسين قضية فارقة في التاريخ الإسلامي. ورغم أن بني أمية أرادوا أن يطمسوا هذه القضية ويمحوا ذكر الحسين وذكر أهل البيت، فقد استطاع الإمام زين العابدين أن يضرب بعصاه الحجر، ويفجّر عزاء أبيه الحسين في كل أصقاع الأرض، وفي كل زمان ومكان. فلا تجد بلدا لا يقيم عزاء أبي عبدالله في كل سنة.
لقد فلق الإمام زين العابدين البحر، وشرّع طريقاً إلى المغفرة وإلى النجاة وإلى القرب الإلهي بتشريعه البكاء على أبيه الإمام الحسين . وكما أن بكاء قوم يونس كان سبباً في رفع البلاء عنهم، كذلك جعل من البكاء سبباً لغفران الذنوب والتوبة إلى الله، والتعرض لمحبة لله.
من يرى رايات الإمام الحسين في عاشوراء، ويرى زوار كربلاء في الأربعين، يعلم أن الإمام زين العابدين انتصر الانتصار الكبير على بني أمية، وما حملته عصا زين العابدين من معاجز هي أقوى من المعاجز التي كانت في عصا موسى .