آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 12:36 ص

هل مجالس الجمعيات طاردة للكفاءات؟

عبد الغفور الدبيسي

نشر المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي حديثا قواعد حوكمة الجمعيات والمؤسسات الاهلية المستندة إلى ما نشر سابقا من اللائحة التنفيذية الجديدة والتي تعكس رؤية المركز المستندة إلى أهداف رؤية المملكة 2030 التي وضعت خططا طموحة لتنمية القطاع غير الربحي وتعظيم اسهامه في دورة الاقتصاد الوطني.

تضمنت القواعد الجديدة كثيرا من التعديلات في كيفية إدارة الجمعيات الاهلية سواء على مستوى الجمعيات العمومية أو مجالس الإدارات أو الإدارات التنفيذية نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر إمكانية التمديد لاعضاء مجالس الإدارة لاكثر من دورتين بموافقة الجمعية العمومية وتعديل مسميات العضوية التاريخية «عامل/ منتسب» واستبدالها ب «العادي / الداعم» وتعديل طريقة التصويت لمرشحي المجلس بحيث يصبح للعضو الداعم وزنا أكثر كذلك تضمن التغيير إمكانية مكافأة أعضاء مجالس الإدارات ماديا بعد أن كان عملهم تطوعيا دون أجر في الأنظمة السابقة كما ألزم التغيير مجالس الإدارات استحداث لجنة التعيينات والترشيحات ولجنة المراجعة وحدد مسؤولياتهما. وهناك الكثير من التعديلات يستطيع أن يرجع اليها المهتمون في النص الأصلي وليس هنا مجال سردها وشرحها.

لكنني هنا سأتناول واحدة من أكثر المعوقات لعمل الجمعيات الاهلية والتي يتم الحديث عنها كثيرا في الدوائر المهتمة. لقد تقدمت قواعد الحوكمة في هذا الإصدار خطوة في طريق اشتراط شيء من الكفاءة في عضو المجلس المترشح تتمثل في ضرورة طرحه برنامجا انتخابيا. وأضافت انه «يفضل» من لديه خبرة لا تقل عن 5 سنوات في القطاع. طبعا تدبيج برنامج انتخابي أيا كان محتواه ومصداقيته ليس امرا عسيرا. وشرط التفضيل ليس الزاميا فكأننا عدنا من حيث كنا دون شروط تأهيلية كما هو الحال اليوم. طبعا من المعروف اليوم ان المتصدي لمجالس الإدارات في الجمعيات الاهلية هم افراد طيبون من المجتمع يتطوعون لخدمة هذه الكيانات فأي شخص تتوافر فيه الاهلية القانونية ويمتلك روح الخدمة والعطاء يمكن أن يصبح عضوا في هذه المجالس بغض النظر عن أي مؤهلات أخرى. من المفيد أيضا أن نوضح أن كثيرا من هؤلاء بحكم خلفيته التطوعية والخدمية يخلط بين دوره كعضو في مجلس اشرافي رقابي وبين دوره كمتطوع بوقته وجهده لأداء أدوار تنفيذية. ربما كان لازدواج الأدوار هذا «اداري/تنفيذي» مبرر في مراحل سابقة من مراحل تطور العمل الخيري لكن هذه الازدواجية اليوم غدت من أكبر العوائق في سبيل الرقي بهذه المنظمات إلى مصاف المستويات العالمية.

ما أروم ان اركز عليه في هذه المقالة هو أننا وبسبب عدم اشتراط الاهلية الإدارية والفنية في المترشحين نحصل على مجالس تتشكل من أفراد لهم حضور اجتماعي وشعبي «من واقع الأصوات الممنوحة» لكنهم وفي كثير من الأحيان تنقصهم المهارات الإدارية والقيادية المطلوبة على مستوى مجلس إدارة. يرغب كثير من أهل الخبرة والمعرفة في مجال الإدارة في خدمة هذه الكيانات الخيرية فبلادنا والحمد لله تزخر بالكثير ممن عمل في شركات ومؤسسات عامة وخاصة وعالمية وفي أدوار إدارية وقيادية. لكن حظ هؤلاء إذا ما كسبوا الصوت الشعبي «كتبت سابقا عن مدى حياديته وموضوعيته» فإنهم سينتهي بهم الحال في مجالس غير متجانسة وربما يتكلمون لغة لا يفقهها زملاؤهم «لغة المال والاعمال» ويدخلون في متاهات النقاش والاختلاف إلى أن يدركوا عدم قدرتهم على التغيير وتطبيق ما يصبون اليه فينسحبون بهدوء.

هنا تصبح المجالس بيئات طاردة للكفاءات ويحرم المجتمع من الاستفادة من كفاءاته.

يفسر ما نذكر هنا - ولو جزئيا على الأقل - العزوف الذي نراه عن الترشح وصعوبة الحصول على عدد كاف من المرشحين وخاصة من حاملي تلك الكفاءات فليس أصعب على المرء أن يكون ضمن فريق غير متجانس يفتقد بعض أفراده المهنية المطلوبة.

يجب ان يتوجه الجهد اليوم إلى إضافة شروط تأهيلية إلزامية تضمن الحد الأدنى من الكفاءة في كل مترشح حتى نستطيع الرقي بهذه الجمعيات والمنظمات غير الربحية. إن مجلس الإدارة لا يستطيع أن يقود المنظمة - وخاصة في ظل المستويات المتطورة التي يتطلع اليها المركز الوطني - ما لم يقم عليه أفراد مؤهلون أكفاء يتكلمون لغة المال والأعمال ويستوعبون المتطلبات التي تفرضها الأنظمة الكثيرة. خطوة كهذه ستسهم في جعل المجالس بيئات جاذبة للكفاءات ومشجعة على الابداع.. نتمنى رؤية ذلك في المراجعة القادمة لهذه اللوائح والقواعد.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
د.هاني آل غزوي
[ القطيف ]: 14 / 8 / 2023م - 6:50 م
مايؤسف حقاً أن جمعياتنا منكفأة على ذاتها لاتؤمن بالتجديد ولاتستقطب الكفاءات المجتمعية وإنما تسير بعجلة قديمة وسواد الجمهور لايعي المؤشرات ولا الأداء ولاالاستراتيجية ولا ...!!!