سعيد علي العبيدي من السعداء
منذ قرابة الأربعة عقود كان أول لقاء يجمعني مع حبيبي وقرة عيني سعيد على حافة الطريق الذي يربط الأوجام بالقطيف، كنت ماشيا ذلك الوقت وأنتظر أحداً يوصلني، وإذا بشخص حاسر الرأس بان عليه أثر التعب فسألني أين ذاهب، فقلت له إلى الأوجام: فقال أركب سأوصلك إلى قريتك فشكرته، وقلت له أنت متعب فلا عليك اذهب إلى وجهتك وأنا سوف يأتي من يوصلني، فأصر بشدة فركبت معه وأثناء هذا المشوار تبادلت معه أطراف الحديث. كان جداً بسيط وغير متكلف، وأحسست بشعور طيب وأنا معه، وبدأ يسألني عن شخصي وأنا كذلك سألته فانتابني شعور جميل واطمئنان نفسي، بأن هذا الرجل طيب جدا.
وصلت إلى بيتنا، وعزمت عليه بأن يتفضل فاعتذر وقال: فرصة ثانية بعد ما أخذت رقم هاتف بيتهم هذه هي البداية التي أدخلتني في عالم جميل وانفتاح على الناس الذين يعشقهم كل عاقل.
رجولة بمعنى الكلمة وطيبة حقيقية غير مغلفة أو مصطنعة.
فبدأت رجلي تأخذني إلى بلدة القديح التي يعجز لساني عن وصف أهلها من كرم وجود وارتباط بالله - سبحانه وتعالى - والنبي وأهل بيته من عقد المجالس الأسبوعية، في البيوت وإقامة العزاء على النبي وأهل بيته في أغلب البيوت بما فيهم بيتهم.
المجلس كان صغيراً إلا أنه كبير بناسه وأهله الطيبين ناهيك عن الحلقات التثقيفية التي تعقد في أغلب البيوت من تعليم وتثقيف الشباب أخلاقياً ودينياً وتربوياً، وغير الأدعية المستحبة ومجالسة أهل الإيمان الذين يأخذونك إلى عالم تشعر فيه بالإقبال على الله.
فكان بيتهم يضمه هو وإخوانه الاثنين إبراهيم، وعبدالله وهم أيضاً لا يختلفوا عنه بأخلاقهم، فتعلق قلبي بحبهم والشغف بلقائهم بشكل يومي.
جدول حافل، الذهاب إلى المسجد لأداء صلاة الجماعة؛ ومن ثم زيارة البيوت التي تتواجد فيها قراءة أو جلسة تثقيفية، وبعد ذلك تناول وجبة العشاء وهكذا،
لم أشعر بأني غريب ولم ينتابني شعور بأني غريب، أو أشكل أي ثقل عليهم، كنت لهم أخاً رابعاً تلقيت احتضان وتربية، وكرماً، وطيبة، ومراجل تجعلك تلقائياً تنقاد لهم.
فما أحسنها من أيام جميلة مضت مع شخص تربى على صفات أصيلة وتربية ولائية. لم أشعر أبدا بأني غريب بينهم، والله شاهد على ما أقول. والدتهم كانت تعاملني كأحد أولادها، أتذكرها في الأيام التي أطرق الباب وهي تجيب قائلة: من الذي يطرق الباب، إذا عرفت بأني أنا الذي يطرق الباب تجاوبني بالترحيب وتقول: لي إخوانك موجودين تفضل المجلس، ما أعظم ذلك الحنان.
عذراً على الإطالة واسمحوا لي فأنا فعلاً فقدت شخصاً عزيزاً على قلبي، فالموت ليس صعباً كصعوبة فقد الأحبة وأي حبيب أنت يا سعيد الذي ملكت تلك الخصال الجميلة، كانت لي مكانة خاصة في قلبه.
يراعيني في كلماته وطريقة مزحه.
- رحمك الله - يا أخي وحبيبي رحمة الأبرار فأنت من السعداء، لأن السعادة الحقيقية ليست في المال ولا العيال،
وإنما السعادة تكمن في علاقة الإنسان بربه. فكلما كنت قريباً من الله وعلاقتك معه عامرة، بطاعته فهذه هي السعادة.
فهذا أنت يا سعيد كنت رجلاً مؤمناً خيراً جسدت كثيراً من معاني الإيمان والطيبة والرجولة والكرم وسيرتك الطيبة في مجتمعك دليل على هذا كله. فهّم جميع من عرفك وأحبك من بيته لتشييعك لمثواك الأخير.
فألف رحمة على روحك يا خادم أهل البيت فهم يكفلوك لحرصك على إقامة مأتم أحزانهم وأفراحهم.
رحم الله من يهدي لروحه ولوالدينا ووالديه ولموتى المؤمنين والمؤمنات ثواب سورة الفاتحة مسبوقة بالصلاة على محمد وآل محمد.