آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 10:22 م

رحمة من ضلع الألم

نجفيه حماده *

في أحد أيام الربيع الجميلة ونسمات الهواء العليل والشمس الذهبية التي تعكس أشعتها على أمواج البحر المتلاطمة، وبينما عائلة نورة تتبادل أطراف الحديث في أحد شواطئ المملكة الرائعة، صرخ الأطفال ”ضاعت دانة، ضاعت دانة“، هرعت العائلة في كل جهة للبحث عنها وانقسموا لعدة فرق فبحثت إحدى الفرق عند منطقة الألعاب وراحت تسأل المارة عنها من خلال ذكر مواصفاتها وفرقة أخرى ذهبت لتبحث عند جهة الألعاب الأخرى، وبينما هم في حيرة وخوف صرخ الجد عدنان من بعيد ”وجدتها، وجدت دانة“.

لكن الفرقة التي كانت تبحث عند الشاطئ والمكونة من نورة وأخواتها الثلاثة «أسماء وأفنان وأنهار» ظلت قلوبهن قلقة على الصغيرة التائهة وهن يركضن في هلع هنا وهناك وأقدامهن لم تعد تقوى على المشي في الرمال، حتى صرخ أحد الأطفال ”لقد وجدها بابا عدنان“ فتنفسن الصعداء وسقطن من شدة التعب وهول ما جرى، وجلسن لتأمل البحر وسماع هدير أمواجه ومشاهدة الأطفال وهم يسبحون.

أثناء جلوسهن لفت انتباه نورة شاب بعمر ابنها مهند يجلس بمفرده ويبكي بحرقة وينوح بآهات وأنين يكسر قلب كل من يسمعه، لم تتمالك نورة نفسها فقررت أن تمر بالقرب منه وكأن أحدًا يهمس في أذنيها ”اذهبي إليه وواسيه“، قامت من مكانها فجأة فالتفت أخواتها ”ما بك؟!“ قالت نورة ”سأذهب إليه“، فقالت أسماء ”ما بك يا غبية؟ لا تتدخلي فيما لا يعنيك“ فقالت ”لا أستطيع، وكأني أرى ابني في هذا الشاب وكأنه فاقد شخصًا عزيزًا“

ساقتها عاطفتها إليه وأخواتها يراقبنها من بعيد، مرت بالقرب منه ذهابًا وإيابًا لحين اقتربت منه وقالت له ”ولدي ما بك؟ أنا بعمر والدتك، ما لي أراك حزينًا وتبكي؟“، رد الشاب ”ها“، فقالت نورة ”ما بك يا ولدي؟“ فخاطبها مطأطئًا رأسه ”للتو دفنت والدتي“، تحشرجت نورة وحبست آهاتها ودموعها التي كادت تسيل من عينيها وكتمت بكاءها، فقالت له بعد برهة من الصمت ”أنت مؤمن يا بني وكان الله معك وبعونك، وتيقن بأن الأم حتى وإن رحلت روحها فإنها تسكن بالقرب من أولادها، والآن تيقنت بأن والدتك همست بأذني خوفًا عليك، قم وتوضأ وصلّ لها ركعتان واتلُ بعضًا من آيات القرآن فبذكر الله تطمئن القلوب يا صغيري“.

بكى الشاب من كلامها فنادت ابنها من بعيد ”مهند اقترب“، اقترب منها وقالت له ”يا بني هذا الشاب للتو فقد والدته، اقترب منه وضُمّه لحضنك يا صغيري“، فأخذه في أحضانه وبكيا معًا، فقال مهند ”كن قويُا يا أخي والله مع الصابرين“، فسألته نورة ”ما اسمك يا بني؟“ فردّ الشاب ”اسمي ماجد“، فخاطبته مرة أخرى ”اعلم بأن أمك حولك يا ماجد، كفكف دموعك كي لا تراك وتحزن“.

هدأ الشاب وأخذه مهند ليعيده إلى البيت ونورة وعائلتها خلفهم تراقبهم وعندما وصلوا إلى منزله كانت عائلة ماجد المفجوعة قلقة عليه، وتبحث عنه فشكرت مهند وودّع ماجد مقدمًا التعازي له ولأسرته.

سخّر الله نورة رحمة لتلد له الأيام صبرًا وقوة، فما أعجب رحمتك يا الله على العباد، فقبل المصيبة ينزل رحمته صبرًا له كما هي نورة التي لا يعرفها ولكن ساقها الله إليه وما ضياع تلك البنت الصغيرة إلا سبب لحدوث كل هذا.

كن رحيمًا في تعاملك وبلسمًا مع الجميع فخلف كل باب ابتلاء لا يعلمه إلا الله، ابتسم في وجه الجميع وحاول أن تصنع يوم أحدهم بكلمة جميلة، فالدنيا مرور ومحطة عبور، لا تكره واجعل الحب في صدرك وكن رحبًا واجعل نيتك خالصة لله، وسيسخّر الله لك في وجعك رحمة.

ثق تمامًا ما الدنيا إلا دَين عظيم وسيرد لك يومًا ما، كن رسول الحب والسلام عزيزي القارئ ودمت بخير.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
Asmaa
[ Saudi ]: 8 / 8 / 2023م - 10:13 ص
مقال جميل ورسالة أجمل ، أن الدنيا تصبح أحلى بوجود قلوب تتعاطف وتستمع لمن يحتاج
سدد الله خطاك استمري