آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 12:36 ص

مدرسة عاشوراء والإحسان للضعفاء

غسان علي بوخمسين

بعد انقضاء موسم عاشوراء الحسين ، وما يحمله من قيم وشعارات ومبادئ سامية، عشناها بعقلنا ووجداننا طيلة الموسم، من خلال الخطب والمراثي الت استمعنا إليها وعاشت في ذاكرتنا، ولانزال نتفاعل معها كل سنة رغم مرور الأيام وتكرار المناسبة.

يمكن القول أن أحد الدروس المهمة لعاشوراء والمغفول عنها لدى الكثيرين منا للأسف، هو حالة نكران الذات والتواضع لله سبحانه التي عاشها الإمام الحسين مع أصحابه، فلو تأملنا في حال الإمام الحسين وأهل بيته والأنصار، لوجدنا أنهم في صبيحة عاشوراء، وقد عاهدوا الله على الثبات على الحق والاستشهاد في سبيله، لا فرق بين سيد ومولى وحر وعبد، فمنهم الهاشمي العربي الحر الأصيل والمولى الأسود، جنباً إلى جنب في نصرة أبي عبدالله الحسين والموت دونه.

فقد نقل لنا أصحاب السير، أن الإمام الحسين منع جون مولى أبي ذر في يوم عاشوراء عن القتال، ولكنه قال للإمام: والله لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم.

قال هذا رغم أنه ليس ملزماً بالقتال بين بدي سيد الشهداء، حيث قال له الحسين : أنت في إذْنٍ منّي، فإنّما تَبِعْتَنا طلباً للعافية، فلا تَبْتَلِ بطريقنا. قال له: يا ابن رسول الله، أنا في الرخاء ألحَسُ قِصاعَكم وفي الشدّة أخذُلُكم؟! واللهِ إنّ ريحي لَنتِن، وإنّ حَسَبي لَلئيم، ولوني لأسوَد، فتَنَفّسْ علَيّ بالجنّة فتطيبَ ريحي، ويَشرُفَ حَسَبي، ويَبيضَّ وجهي، لا واللهِ لا أُفارقُكم حتّى يختلطَ هذا الدمُ الأسود مع دمائكم. وبعد استشهاده جاءه الحسين ووقف عليه قائلاً: «اللهمّ بَيِّضْ وجهَه، وطَيِّبْ ريحَه، واحشُرْه مع محمّدٍ صلّى الله عليه وآله، وعَرِّفْ بينه وبين آل محمّد عليهم السّلام». وقد ذكره المهدي في زيارة الناحية المقدسة: «اَلسَّلَامُ عَلَى جَوْنٍ مَوْلَى أَبِي‌ ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ». فنال بهذا شرف الدنيا والآخرة، حيث يزوره الملايين سنوياً في زيارتهم الحسين .

يمكننا الاستفادة من قصة جون رضوان الله عليه وصنيع الإمام الحسبن معه وذكره في زيارة الناحية المقدسة، أهمية إعطاء الأطراف المستضعفة في مجتمعنا حقوقهم والتعامل معهم بالطريقة التي تليق بهم، فمن منا يتعامل مع عمال النظافة أو البناء في الشارع معاملة إنسانية، بل هل نتعامل مع العمالة المنزلية في بيوتنا، برفق ولين كما كان أهل البيت يصنعون مع خدمهم ومواليهم؟

عاشوراء مدرسة متكاملة على كل الأصعدة، فهي تحمل كل عناصر الرقي الحضاري، فهي أم القيم والمبادئ والمُثُل العليا والقدوات الكاملة، فلنتخذ منها درساً في التواضع وحسن المعاملة لمن هم في أشد الحاجة لها، فهم يعانون كرب الغربة وقلة الحيلة والحاجة المادية التي ألجأتهم للخدمة في بلداننا، فلنكن حسينيين حقاً بتعاملنا الراقي معهم والإحسان إليهم، ولتكون عاشوراء مدرسة وجدانية وعملية في آن معا.