كيف تنصر الحسين إن كنت ظالمًا؟
في مفهوم مظلومية الحسين ونصرته نجد عدّة مفاهيم قد تختلف طروحاتها، ولكن المعنى فيها واحد والذي لا خِلاف عليه بأن الحسين مظلوم، وكنّا ولا زلنا نسعى في كل عام أن نوضّح كيف تكون نصرة الحسين ونرفض تمامًا أن يكون في عصرنا هذا بقيّة ظلم لهذه القضية؛ لأنها أخذت استحقاقها الكامل فور وقوعها، وفي استحقاقاتها أولًا نجد انتصار القاتل الذي حقّقه فيما ابتغاه بأن يكون الحسين مقتولًا وتُسبى نساء بيته وأطفاله.
غير أن الظالم لا يفقه كيف تكون النهايات في موضوع الظلم، ولذلك يظن بمحدودية تفكيره بأن من يُقتل هو الخاسر والقاتل هو المنتصر، غير أن المنتصر الحقيقي هو الذي يبقيه الله حاضرًا بعد مضي العقود والقرون، وهذا أقلّ ما قد ينعم الله فيه على المظلوم هو تخليد مظلوميّته.
ونجد في قضية الحسين تحقيقًا لعدّة مفاهيم ضرورية وصور كثيرة من الاضطهاد والقهر الذي ارتسمه العدو الظالم إلى أهل البيت، وقد تكون لهذه القضية أسبابها ومبرّراتها لدى المعتدي، لكن الحقيقة الجازمة والتي لا خِلاف عليها بأن لا توجد مبرّرات أمام الاعتداء، ونجد في مفهوم المظلوميّة في اللغة: هي عبارة عمّا يلحق المظلوم بفعل الظالم من الجور والأذى، والحيف والتجاوز، والابتزاز ونهب الحقوق وما إلى ذلك.
وفي نهب الحقوق والتجاوز تجد بأن لا يمكن أن تتساوى جميع المبررات أيًّا كانت لتكن أمام شناعة هذه الأفعال؛ لأن مهما تعاظمت الأمور في شتّى مجالات هذه الحياة، فإن الله لا يُناصر فيها من يعتدي، إنَّ الله لا يعين ظالمًا، ولو أتمَّ عليه فعلته وحقّق له منها نصرًا كما يظنه المعتدي، تبقى العبرة في النهاية التي يختارها الله، لا بالتي يسقط فيها المظلوم من الظالم.
وقد نجد في مجتمعنا تصاعد ظاهرة الظلم ونهب الحقوق في قضايا التركات أو قضايا الميراث، وهي جميعها تعود إلى أصل واحد ومبنية على شجرة واحدة من أفراد أسرة جمعتهم الأيّام معًا في أمور كثيرة.
وقد تجد أيضًا في البعض أمام هذه القضايا خلوًّا من أصله أو من علمه ومن مبادئه التي ترسّخت فيه، فلا يرى سوى حاجته المقتصرة على الماديّات أو ما إلى ذلك.
ولو نظرنا إلى حاجة الحسين طالما أن عقيدتنا مبنية على حب الحسين وأهل بيته، فلا يجوز أن نصرف النظر عن مثل هذه الوقائع التي منها تعلمنا الكثير، فضلًا عن كونها مرتبطة بعقيدةٍ ما، فهي قضية إنسانية أوّلًا، ولا بُدّ لنا ألّا ننسى بأن حاجة الحسين عندما ظُلِم كانت لا تُقدّر بالمال، ولا يمكن إلى أي أمر مادي أن يغني عنها، منذ بداية وصوله إلى أرض كربلاء، وحتّى حاجته إلى الماء.
إنّ قضية الحسين ليست بالقضية المتجدّدة في كل عام، ولا بالقضية التي «كانت» وانتهت؛ لأن القضية التي تخلّف آثارًا لا يمكن لها أن تنتهي مهما حكم الدهر عليها بالسنين.
وقضية الحسين كانت ولا زالت منهجًا فكريًّا بين الحقّ والباطل، وما كان للباطل بعد مضي السنين كلّها إلا أن يضمحل، وها هو الحق باقٍ ما بقي الحسين في قلوبنا.
إنّما هي قضية إنسانية، والإنسانية لا ينالها إلا من له رحمة من الله.
وما كان إلى أحدٍ حتى يومنا هذا أن ينصر الحسين وهو ظالمًا أو معتديًا أو متمسكًا بكل فعل يؤذي به الغير.
فإن كنت ناصرًا للحسين، تعلّم أن تجتنب ما كان يؤذيه وما سيؤذيه، فإن تعلّمت أن تتجاوز الباطل، انتصرت عليه ونصرك الله أمام من يعتدي عليك ولو كان للظالم أن يسقطك مرارًا.
النصرة التي يحقّقها الله لا تعني الحياة أو الموت، فهي أبلغ بالكثير البعيد عن محدودية فهمنا.
إن في المظلومية أبعاداً كثيرة تتحقّق ليست فقط في الحياة الدنيا بل حتى في الآخرة، وأن ما تشهده المحاكم من قضايا ظلم، ليس بالكمّ الذي يشهده الله، والذي لا يكون ظاهرًا أمامنا ولا عند مسمع القضاة ولا في يد المحامين أصلًا، فكثير من القضايا التي تحصل بعيدة عن الخط الفاصل بين الظالم والمظلوم مثل المحاكم، وغالب هذه القضايا يكون فيها الظالم من دم المظلوم، أيّ أنها قضايا عائلية، وهذه من القضايا المستنكرة كانت ولا زالت مهما كثُرت.
ولسنا في طرح ما قد يظهر أمام القضاة من ظلم، فالماحكم وُجِدت لتفصل في هذا الأمر، إنّما الأمر في القضايا التي تظهر من أسرة واحدة، والتي تكون بين الأخوة فهذه القضايا يوجد فيها أمور كثيرة قد تخلّف الأكثر.
إنّ من تعلّم أن يكون ناصرًا للحسين، يعلم عن شكلِ رحلة الحسين إلى كربلاء كيف كانت، وكيف سارت.
ومن تعلّم أن يكون ناصرًا للحسين، يعلم تمام العلم كيف كانت نصرة الحسين من أخيه العباس.
الأمر محصور بالمعرفة، إن علمت الحِكاية ستعلم ما تنتهي عنه وما تفعله وإن علمت ما تنتهي عنه وما تفعله ستناصر صاحبها، وإن ناصرته ستحقّق الكثير.
فلا تعتدوا بالظلم، وإن لم يكن الحقّ واضحًا طالبوا بضرورة توضيحه عند من يفقهون في الفصل فيه، ولا تكونوا ممن آزروا أنفسهم بما ليس لهم، فإن تكون مظلومًا منهوب أمام الله خيرٌ لك من أن تكون ظالماً.