طهروا قلوبكم
كما أن الماديات تحتاج إلى تطهير إذا تنجست بالنجاسات المادية المعروفة، كذلك القلب، بل العقل أيضا، والقلب تنجسه صفات قبيحة تمنع صاحبها من أن يكون مع أهل بيت الرحمة أو قريبا منهم، وأهم هذه الصفات المدنسة للقلب، هي الحقد وهو أعظمها تأثيرا، والكراهية، والغيبة والنميمة، والحسد، والكذب، وهذه الصفات تنادي بعضها بعضا، فهي عائلة واحدة تجتمع وتتزاور في نفس الإنسان، قد تجتمع في شخص، وهذه الصفات إذا تواجدت في شخص ومات على ذلك فمصيره برزخا وقيامة مصير سيئ جدا، والعكس صحيح بالنسبة لمن طهر قلبه منها،
في الرواية أن موسى بن عمران سأل الله تعالى: يا رب من أهلك الذين تظلهم في ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك؟ قال: فأوحى الله إليه: الطاهرة قلوبهم.
وفي رواية أخرى: «بدلاء أمتي لم يدخلوا الجنة بصلاة ولا صيام، ولكن يدخلونها بصفاء الأنفس، وطهارة القلب، وسلامة الصدر والنصح للمسلمين».
وفي الحقيقة أنك قد تجد إنسانا محافظا على صلاته وصومه حتى المستحب منه؛ وهكذا في عباداته الظاهرية، وقد يكون مدمنا للحج، ولكنه مع هذا غير مقبول منه عمله، والسبب هو هذه الصفات القبيحة التي اتصف بها واتبعها ولم يتبع دين الله، ما الفائدة من هذا كله وهو يحمل الحقد والكراهية والحسد على الآخرين، والغيبة والنميمة، ويتتبع عيوب الآخرين، ما الفائدة من عبادة يرافقها عذاب من هذه الصفات الخبيثة، وكذلك اتهام الآخرين بما ليس فيهم، وقد قلنا وقالوا: إن العبادات الظاهرية ليست مقياسا لا للإيمان الواقعي ولا لتقييم الأشخاص، وهذا ليس خاصا بالدين الإسلامي بل لكل الأديان وكل الاتجاهات، والمقياس نفسه يطبق في كل دين، أنظر إلى الصهاينة كيف يقتلون الناس ثم يذهبون للصلاة، هؤلاء يعيشون ازدواجية في الفكر وانتقائية مزاجية في التطبيق، أمثال هؤلاء الناس في كل دين هم المنخنقون، خنقوا الدين وخنقوا أنفسهم، وخنقوا غيرهم بالأذى والمقصود، بل يشمل مطلق الأذى حتى ولو كانت الأذية غير مقصودة، بل حتى لو كانت مباحة، حتى لو كانت بأمر الشرع، فالحقد قد يكون لأذى ناتج من سلوك غير خلقي وغير صائب، ولهذا كان الحقد في معظمه أعمى.
ينمو الحقد أحيانًا نتيجة للأشخاص المحيطين بنا أو الأصدقاء. عندما يتميز أحدهم بهذه الصفة، ينتقل الحقد بين الأفراد، ويتسم الحقد بطبيعته السلبية كعاطفة تنطوي على القلب. يختلف الحقد عن الغل، فالغل هو كراهية شاملة وتتجلى بمستوى أعلى من الكراهية من الحقد، وهو أكثر قبحًا. كلاهما يعدان سماتٍ قبيحة. يتوقع بشكل عام أن يتصرف الشخص الحاقد بغير عقلانية، حيث يتسبب الحقد والكراهية في توليد طاقة سلبية عميقة وفقدان التوازن. يؤدي الاستجابة العقلية المسلبة تجاه الشخص المحقود عليه في معظم الأحيان إلى إلحاق الأذى ليس فقط به، بل وبالآخرين أيضًا. يعمل الحقد كمحفز للغضب ويثير الفتن ويعتبر سلاحًا شريرًا. إن وجود هذا السلوك ملحوظ في واقعنا وفي مجتمعنا، حيث ترتكب العديد من الأخطاء الاجتماعية والمعاصي الدينية بسبب الحقد والكراهية المتجذرة في قلوب الناس.
أما الإنسان المؤمن يكون قليل حقده، لأنه لا ينظر إلى الأمور بمنظار شخصي حتى يحقد، وإنما ينظر إلى الأمور بمنظار عام شامل، يكره العمل ولا يكره صاحبه.