آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 10:22 م

ملاحظاتي على الملاحظات

خليفة علي الغانم

التفاعل بين المرسل، والمستقبل، والرسالة، والوسيلة، والهدف، والتغذية الراجعة، والبيئة، والاستجابة، من أهم عناصر الاتصال بل تمثل ركنا أو منهجا تعليميا حديثا في تلاقح الأفكار يصب في مصلحة التطوير والتحسين علينا أن لا نفوت فوائدها، وهذا المنهج يمارسه سنويا بعض خطباء المنبر الحسيني والسيد منير أنموذجا لتطبيق هذا المنهج حيث يخصص له ليلتي 13 و14 لمناقشة ملاحظة المستمعين «المستقبلين» حول المواضيع «الرسالة».

من هذا المنطلق أستعرض بعض الجزئيات التي تناولها خطيبنا القامة علميا ومعرفيا وثقافيا وبحثيا وفكريا وخطيبا بارزا لعدة عقود هو السيد منير الخباز زاده الله علما وتوفيقا؛ ولهذا يحتم علي من باب الشفافية أن أتساءل عما ورد في بعض محاضراته في عاشوراء لعام 1445 هـ والتي تسنى لي استماع بعضها والاستفادة منها إلا أنه أثارت عندي بعض التساؤلات والبحث، وسأذكر منها للاختصار منعا للتشتيت: -

1 - ظاهرة الرق والرقيق في الإسلام: -

من خلال استعراض آيات القرآن الكريم التي تعاملت مع مسألة الرق والرقيق يتبين أنها لم تشرع لهذه الظاهرة، ولم تأمر آيات القرآن باسترقاق أحد. لهذا كنت منتظرا من السيد منير الفقيه الذي استعرض التبريرات لوجود الرق مبينا أن الإسلام لم يحرمها مراعاة للحالة الاقتصادية حينها واستخدم القياس لتبريره بمقارنته بالعمال الوافدين لدول الخليج في العصر الحالي الذين يعملون هنا وهناك وقد ذكر سماحته في إحدى محاضراته أن الشيعة لا يطبقون القياس في مبانيهم كما يطبقه بعض المذاهب كالمذهب الحنفي مثلا، بينما لجأ إليه هنا في تبريراته الكلامية وشتان كبير في القياس الذي استشهد به في فقه الرقيق وعقود العمال الحاليين كموظفين عليهم إنجاز مهام وواجبات محددة ولديهم حقوق، وغيرها من المبررات التي ذكرها أن الإسلام ربط كثير من الكفارات بتحرير الرقيق للتخلص من الرق تدريجيا.

وقد كنت أتطلع من ثروته الفقهية أن يستعرض ويجيب على ما يتم تداوله في وسائل التواصل من بعض الشيوخ والخطباء في فيديوهات وتسجيلات صوتية معتمدة على ما يذكره فقهاء الشيعة في رسائلهم العملية على أنها تبيح التحكم في العبيد ذكورا وإناثا حيثما شاء السيد المالك لإشباع حاجاته وغرائزه على حساب الحياة الكريمة لعبيده فمثلا إذا كان أحد المرفهين يملك عبدا وعبدة متزوجان فله الحق أن يأمر زوجها العبد «الرقيق» بتطليق زوجته العبدة «الرقيقة» لكي يدخل عليها أو يقدمها كزوجة لأحد ضيوفه، وهذه الحالات المباحة لا تتماشى مع قوله تعالى «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى? كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا».

2 - ذكر السيد منير أن من نسب إلى النبي ﷺ حديث «تفاءلوا بالخير تجدوه» فقط وفقط العلامة السيد الطبطبائي من دون أن يذكر له مصدر لهذا الحديث حسب ما ذكر السيد منير، بينما غيره من فقهاء السنة والشيعة أنكروا الحديث لذلك فما هو مرتكز هذا التفرد من السيد الطبطبائي دون تبيانه أليس يدعو إلى تساؤلات فرعية أخرى حول مؤلفات السيد الطبطبائي وأطروحاته الفكرية؟ من هنا أتساءل كيف يحدث هذا من السيد محمد حسين الطباطبائي وهو من أبرز فلاسفة وعرفاء مفكري الشيعة في القرن العشرين، وليس في القرون المتقدمة التي قد يفتقرون منهج البحث العلمي الحديث لكي نعذرهم، بينما السيد قد اشتهر بتفسيره المعروف «الميزان في تفسير القرآن»، وكتاب بداية الحكمة ونهاية الحكمة، كتاب أصول الفلسفة والمذهب الواقعي، وقد تصدى الشهيد المطهري للشرح والتعليق على هذا الكتاب لأهميته البحثية.

والسيد منير أراد من ذلك التدليل على أنه لا يوجد مبرر إسلامي لدعم علم الطاقة مطلقا بينما يوجد فيه ممارسات ذات علاقة بالتحفيز والدعم المعنوي، وهذا يمارسه الطبيب والمعلم والقيادي والمدير الناجح لمعالجة اليأس والإحباط ونقاط الضعف مصداقا لقوله تعالى «وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ» أي لا تيئسوا، ولا تقنطوا وأن التفاؤل مبعث للعلو وللأمل الداعم في تحقيق ما يعجز عنه المحبطون.

3 - كلمة الإمام الحسين إلى جون «بيض الله وجهك وطيب ريحك» بعد مصرعه في كربلاء وقد ذكرها السيد منير كسائر الخطباء سنويا من دون توقف على أبعادها المختلفة في رفع شأن صاحب اللون الأبيض على حساب اللون الأسود التي يرددها ألسن الكثير من المسلمين وما زالت حتى بعد مضي 1445 سنة من الهجرة على بزوغ الإسلام هذه النعرة المترسبة تذكر حتى فوق منابر الحسين الذي أعلن «طلب الإصلاح» ولن أسترسل إلى مضامين البياض والسواد اللغوية والبلاغية والآثار المترتبة عليها لأنها بحاجة إلى توسع وتبيان ومعالجة الحساسية لتفنيدها في هذا الطرح وما ترتبط به من قوانين وضعية لحقوق الإنسان وآيات قرآنية كآية «يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ» لكني أشير متى تصل ثقافة الإنسان عامة والمسلم خاصة أن لا يجعلوا الألوان والأشكال دلالة على الرفعة والدنو، ونستبدلها بمعايير أخلاقية مقننة تحترم الإنسانية من دون أن نجعل البياض منقبة إلى أهل الجنة والسواد مذمة لأهل النار، إن كان هذا مناسب في الآخرة من باب الثواب والعقاب فهل هذا مناسب أيضا في الدنيا التي نجد فيها شخصا لونه أسود، ويحبون الناس مجالسته ومقاربته وتعامله، وفي المقابل تجد شخصا أبيضا تبتعد الناس من قربه، وتشمئز منه ومن سلوكه من هنا يبرز أن التشبث بالألوان سراب من دون وجه حق!!! وكما ظاهر لعل القادم من الأيام يتحرر فيها سكان دول إفريقيا على وجه الخصوص من اضطهادهم الوحشي ونهب أراضيهم وثرواتهم من قبل ذوي البشرة البيضاء من دون خجل أو استحياء أو رادع إنساني يمنعهم من ذلك. جمعة مباركة نستمد منها التفاؤل والتخلص من الرواسب المغلوطة ونوازع التفرقة.