في رحاب دعاء الإمام الحسين (ع) في صبيحة عاشوراء «14»
الدعاء وجهاد النفس:
هناك إشكال يدور حول الربط بين الدعاء وحال الداعي الحامل للهموم، ويتعلق بكيفية تصور انجلاء الكرب؛ بسبب الاتصال والارتباط بالقوة المهيمنة على الكون وما فيه، فإننا نرى أن النتائج قد لا تنطوي على الحاجة المطلوبة، ولا تسير الأمور باتجاه الانفراج، فهل هذا يعني تخلفا أو وجود استثناءات في تحقق المطلوب على أرض الواقع؟
من المفاهيم الخاطئة حول الدعاء هو تصور هذه الثمرة لوحدها للدعاء وعي قضاء الخاجة ودفع الشدة عنه وهذا غير صحيح، إذ أن الهدف من الدعاء أسمى وأجل من ذلك، ففي المقام الأول هو إعلان الخضوع والتذلل بين يدي الله عز وجل الناتج عن معرفة بعظمة الله تعالى، وكذلك اعتراف بالتقصير في أداء حق المنعم علينا بمختلف النعم، وأحد أوجه الشكر هو تقديمه في ثنايا الدعاء الذي يمثل الصلة الرابطة بين قلب الداعي وبين الله تعالى، والدعاء أحد أهم أوجه التقرب إلى الله تعالى والانقطاع إليه، فإذا كان هناك من يرى مصدر راحته النفسية وسعادته بنيل شيء من حطام الدنيا الزائل، فإن المؤمن يجد لذته وأنسه بمناجاة الله تعالى واستشعار أوجه الجمال والجلال الإلهي، فيملأ فكره ووجدانه بحقائق ومفاهيم توحيدية تسكب عليه الطمأنينة والسكينة، ويجنبه ويلات القلق والتوتر النفسي الذي يعاني منه الكثير ممن يصابون بالفراغ الروحي.
وهذا ما يفسر موقف الإمام الحسين وأصحابه بالالتجاء إلى ساحة المعبود ومناجاته، في ظرف زماني صعب فهم لا يفصلهم فيه عن معركة قاسية وغير متكافئة إلا ساعات معدودة، مع معرفتهم المسبقة بما ستسفر عنه، وتؤول إليه أمورهم من الشهادة في سبيل الله تعالى، ففي خضم التهاب الظروف يغيب الرشد والوعي عن العقل، وتضعف الإرادة عن مواجهة التحديات والصعوبات بما يشعر معه الفرد بتكبيل اليدين والتشاؤم من انفراج الأمور في المستقبل، ولكن الدعاء هو سلاح المؤمن في ميادين الحياة طلبا للتسديد والعناية الإلهية مع خطاه مع أخذه بالأسباب المادية، فالنفس تحتاج إلى زاد روحي وإيماني لخوض هذا المعترك وساحة المواجهة، فقبل أن نتحدث عن ساحة الجهاد والقتال أمام الأعداء وما أظهره أصحاب الإمام الحسين من بطولة وشجاعة عالية، تكشف أن الحسابات الدنيوية والحرص على متاعها الزائل لا وجود له في بالهم واهتمامهم، لا بد من الإشارة إلى جهاد النفس وتهذيبها من ميول الأهواء والشهوات، فتجلى ذلك عن إرادة قوية وبصيرة بالأمور، فما أصابتهم الحيرة والتردد في اتخاذ قرار بالوقوف مع السبط الشهيد في حركته الإصلاحية، إنها نفوس اعتصمت بالله تعالى ووثقت بوعده وحكمته في مجاري الأمور، فما يشغلهم ويلقى الاهتمام عندهم أن يكونوا يدا طيعة بين يدي الإرادة الإلهية، وهذا الالتجاء هو ما يهبهم القوة النفسية والإيمانية في معترك الحياة وميادينها الصعبة.
الدعاء يعني الاتصال بالقوة المهيمنة على هذا الكون وطلب التسديد منه تعالى، التسديد على مستوى النظر في الأمور والأحداث بعين البصيرة والوعي لتنجلي أمامه الحقائق؛ ومن ثم يتخذ القرار والاختيار المناسب، ويشد من عزيمته، ويبدد عنه المخاوف من هجمات الزمن ودوراته، فيواجه أصعب المحن والأزمات بكل قوة واقتدار، ويفكر بطريقة إيجابية يبحث فيها عن الحلول المناسبة والممكنة، متحليا بالرضا التام عن قضاء الله تعالى ويعمل بروح المثابرة.
الملحمة الحسينية احتوت على المضامين العالية من جهاد النفس وتربيتها على مواجهة التحديات والصعاب بهمة عالية وإرادة لا تلين، والتفاعل الفكري والوجداني مع النهضة الحسينية يعني انفتاحا على تلك القيم والأهداف والعمل على تطبيقها على أرض الواقع، فأنت حسيني إن كنت صاحب قوة في مواجهة الأزمات والصعاب بالحكمة وهدوء النفس والمثابرة، وتحيد عن هذا النهج الولائي إن سقطت في شراك اليأس والتشاؤم.