مفارقات عجيبة
إنّ الأغلبية من أفراد مجتمعنا يعيش اليوم حراكا ثقافيا وفكريا فرضته طبيعة المتغيرات الاجتماعية على الساحة، وأصبح لدى الكثير قدرات ومهارات ومعارف ساعدت على التحدث والإلقاء في مواضيع ثقافية متعددة!! ولكن السؤال الذي ينبغي أن يكون محل الاهتمام، هل كل ما يطرح يساهم حقا في نهضة المجتمع ورقيّه ومعالجة مشاكله؟ وهل كل ما يطرح من فكر هو قابل للتطبيق حقا؟؟ على أرض الواقع؟ وهل من يتصدى للشأن المعرفي والثقافي والاجتماعي لديهم من المؤهلات ما يسمح لهم بذلك.
إنّ من الأمور الملفتة للنظر في هذا الموضوع هو انتشار ظاهرة دخلاء المعرفة والثقافة وأنصاف المثقفين من ذوي التحصيل المعرفي والأكاديمي المتواضع، والذي يعكس ضعف مستوى القراءة والمطالعة والبحث بما يؤهلهم للتصدي لقضايا المجتمع المتنوعة! فهناك اليوم من يتصدى للحديث في المواضيع الفلسفية والفكرية، ويوجه سهام النقد للأطراف الأخرى مع عدم امتلاكه لأساسيات علم الفلسفة، فبمجرد حفظ بعض المصطلحات وحضور بعض المنتديات اعتقد بأنه أصبح مؤهلا لذلك!!
ومثال آخر يتجلى في التصدي للاستشارات الأسرية لمجرد حصول الشخص على شهادة خبير استشارات أسرية في دورة تدريبية لا تتعدى بضعة أيام!! مع وجود مستشارين هم أنفسهم يعانون من مشاكل وأزمات أسرية!!! وهم يفتقدون لأبسط مهارات تحليل المشاكل وتشخيصها والحلول العملية لها!! ً
إنّ ظاهرة التصدي لقضايا الإصلاح الثقافي والأسري والاجتماعي من غير أصحاب الكفاءات آخذ في الانتشار لمنافع ومصالح مادية،
لم تنتج سوى المزيد من التأزم وتعقيد المشاكل! مجرد معلومات لا تسمن ولا تغني من جوع.
في الضفة الأخرى من المشهد، هناك أزمة أخرى تتجلى في طرح المواضيع الفلسفية والعلمية والمعارف الحديثة من أشخاص مؤهلين علميا لذلك، ولكن الطرح لا يتناسب وطبيعة المكان والحضور والتوقيت المناسب، فهو طرح لا يساهم في حل قضايا المجتمع المتعددة، ولا يعد أولوية لمن يعيش واقع المجتمع وهمومه وتحدياته! إن الخطيب الناجح هو من يسعى لتلمس احتياجات المجتمع المعرفية والثقافية والروحية بعيدا عن الأطروحات التي لا تلامس حاجة المجتمع، ولا تشكل هاجسا له، بل يمثل هذا الطرح اهتمام مجموعة صغيرة فقط من شرائح المجتمع!! فتحرم بقية الشرائح من المنفعة والفائدة في ما يرتبط بالأمور المهمة والابتلائية بالنسبة لهم.
إن الطرح الفلسفي والعلمي والعرفاني له مريدوه ومحبوه وينبغي أن لا يكون على حساب بقية شرائح المجتمع.
وهذا الأمر لا يعني أن تكون الموضوعات تقليدية مكررة ومستهلكة، فالتجديد مطلوب ضمن دائرة التأثير في زيادة المعرفة والوعي وملامسة هموم المجتمع.
نحن بحاجة لطرح يساهم في إظهار القيم والمعارف الثقافية الصحيحة بما تقتضيه طبيعة المرحلة.