سبايا النهضة الحسينية
قال الإمام الحسين : «شاء الله أن يراني قتيلا، ويراهن سبايا».
أثناء معركة عاشوراء من عام 61 هجري ومن بعدها عاشت بنات رسول الله ﷺ هذه الأسرة الكريمة عظيمة الشأن عند الله تعالى فترة عصيبة مع تسارع الأوضاع على أرض كربلاء، يشاهدون تساقط الشهداء واحدا تلو الآخر، وما هي إلا ساعات وجميعهم صرعى مقطعة الرؤوس ممزقة الأجساد الطاهرة تتسابق القبائل في تقاسم الرؤوس الشريفة، لم يكتفي القوم بفعلتهم المشينة في سيد شباب أهل الجنة، فأكملوا مسيرتهم السوداء لتزيد الأمور صعوبة ومأساة على بنات النبي محمد ﷺ، في منظر لا يمكن وصفه لا يقع حتى في شريعة الغاب، بدأت مرحلة أخرى من العار الذي لحق بالقتلة، المنادي ينادي أحرقوا خيام الظالمين على من فيها من النساء والأطفال ومرحلة من السبي وانتهاك حرمات بنات الرسالة في منظر لا يتخيله عقل، ولا يتحمله قلب خلت الرحمة منهم، في فاجعة لا تقل عن فاجعة القتل والتمثيل بالأجساد أن تسبى زينب التي احتضنها وقبلها وعاشت في عز جدها وفي ظل أمها سيدة نساء العالمين ووالدها إمام المتقين وأخواتها وباقي أفراد عائلتها الشريفة عليهم جميعا أزكى وأعطر السلام، عاشت بنات الرسالة ساعات وامتدت إلى أيام بعد أخدهم مع الرؤوس الشريفة للكوفة في أقسى صورة سبايا بدون ستر مكبلين الأيدي متجهين للكوفة، في غمرة الفرح من قبل جيش من الظالمين حيث الرؤوس الشريفة معلقة على الرماح والسبايا يودعون قتلاهم في موقف لا يوجد له مثيل من المرارة والأسى أن يفعل في أهل بيت النبي ﷺ هذا المنكر المخزي، قساوة لا يقرها دين ولا يوافق عليها عرف ولا ترضى بها النفس الإنسانية السوية.
بعض القبائل استطاعت استخلاص وأخد نسائهم الدين كنا في عداد ركب الإمام الحسين ، وبقت بنات رسول الله ﷺ بلا معين ولا ناصر ينقدهم من هول وعظمة الحدث، أو يخفف عنهم ألم المصيبة، سارت السبايا إلى الكوفة كما يساق المجرمين حائرات حافيات مسلبات باكيات مكبلي الأيدي بالقيود والأغلال على ظهر الجمال من غير غطاء ولا وطاء إمعانا في التعذيب والمهانة، مات بعض الأطفال من العطش وتحت سنابك الخيول، في يوم الثاني عشر من شهر محرم الحرام بعد سير شاق وطرق وعرة وفي أوضاع مزرية حيث استقبلوا في الكوفة بمظاهر الزينة والاحتفال بالنصر والظفر ومقتل سيد شباب أهل الجنة، حيث بدأت المصائب تتوالى على بنات الرسالة من ذل ومهانة وهوان حيث اخدوا يمرون بهم في شوارع وأسواق وسكك الكوفة يتفرج عليهن الناس قبل دخولهم مجلس الوالي في مرحلة أخرى من المأساة المتواصلة وسجنهم في مكان عبارة عن خربة في ظل حرارة صيف العراق، رغم معرفة القوم بهم وبقرابتهم من رسول الله ﷺ لم تشفع لهم بل زادتهم قسوة وهمجية، ما حدث يدمي القلب، ويذهل العقل ويحير الفكر لتجرده من الرحمة.
كان كل ذلك الوجه الأسود من الغدر والخسة في أتم معانيها، والوجه الآخر من نتائج النهضة الحسينية بروز دور السبايا بشكل عام والعقيلة السيدة العظيمة بطلة كربلاء في دور أبهر العالم في وجه مجموعة قساة بلا رحمة أو شفقة يقتلون الأنفس البريئة، ولا يتورعون عن أي جريمة منكرة، حيث كشفت الزيف والانحراف في ذلك المجتمع مع معرفتها بخطر ذلك من قبل الجلاوزة، لكن الشجاعة والمنطق العلوي كان بارزا في منطق السيدة زينب .
صمدت بكل شموخ الأبطال وو عزة الشجعان وحيدة إلا من قوة الإرادة، لتصنع نصرا يبقى ونورا يستمر ثابتة اليقين متوكلة من خلفية إيمانية ورضا بقضاء الله سبحانه وتعالى أخذتها من البيئة الشريفة التي عاشت في كنفها، فأكملت الدور المناط بها على أكمل وجه وكشفت عورات الخزي ومدى بعدهم عن الدين والأخلاق، وكل ما يرتبط بالإنسانية، وأن خروجها مع أخيها الإمام الحسين لم يأتي اعتباط، بل كان هدف مخطط له نجحت في القيام به على أكمل وجه، هزمهم المنطق الزينبي بكل اقتدار بينت هشاشة موقفهم وضعف مكانتهم.
اتباع أهل البيت رغم ما يعيشون من ألم استشهاد الإمام الحسين وإخوته وأولاده وسبي العقيلة زينب وجميع بنات أهل البيت، يشعرون بالفخر والعزة بهذا الارتباط ومواساتهم ومشاركتهم في إحياء المصاب الجلل.