دور القطاع الخاص ودور صندوق الاستثمارات العامة في تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 «9»
مما تقدم يمكن الخلوص إلى أن الانفاق الحكومي «الجاري والرأسمالي»، سواء: كان مصدره الميزانية العامة للدولة كما هو الحال في التعاقدات، أم من خلال الجهاز الاستثماري الرئيس للدولة وهو صندوق الاستثمارات العامة، أو من خلال الصناديق التنموية المتخصصة تحت مظلة صندوق التنمية الوطني، كلها ضرورية لزيادة سعة الاقتصاد ولتعميق تنوعه ولتمكين القطاع الخاص. وفي ظل رؤية المملكة 2030 تتأكد ضرورة الضخ الحكومي، وذلك للقيام بمهمة لن يتمكن من القيام بها أي طرفٍ آخر، وهي مهمة شق طرق لم تكن ممهدة - وفي أحيان عدة حتى متصورة تلفها روح التحدي والطموح مثل مشروع نيوم العملاق - لتأسيس أنشطة اقتصادية مثل السياحة أو لتعزيز وضع أنشطة مثل التعدين والاستحواذ على حصة في شركة“فيل”البرازيلية، فهو انفاق تنموي في جزء منه واستثماري في جزء آخر، لكنه في مجمله استثمار تمكيني يصنع فرصاً لم تكن في المتناول ابتدأ، وذلك أخذاً في الاعتبار أن تلك الطرق غير مطروقة من ناحية، وأنها لا تمتلك الممكنات من بنية تحتية وتنظيمية، وأن مستوى المخاطر مرتفع باعتبارها أنشطة اقتصادية مستجدة، وأن مستوى الربحية منخفض مقارنة بتكلفة رأس المال الحالية المرتفعة «ارتفعت أسعار الفائدة من 1 بالمائة إلى 6 بالمائة خلال عام».
وعند استذكار أن لرؤية المملكة 2030 ثلاثة محاور رئيسية ثانيها هو“اقتصاد مزهر”، ينبثق منه هدف تنمية وتنويع الاقتصاد. وعند التمعن في الأهداف الفرعية المنبثقة منه نجد أن في مقدمتها“تنمية مساهمة القطاع الخاص”، وقد انبثقت منه - كما سبقت الإشارة - سبعة أهداف تفصيلية، كل منها مسند إلى أحد برامج تحقيق الرؤية. السؤال - بعد وصول المدى الزمني للرؤية إلى نقطة المنتصف - هل هذا التوزيع كافٍ لتنمية مساهمة القطاع الخاص لتصل للمستهدف ضمن النطاق الزمني المحدد؟ والأهداف السبعة التفصيلية ضرورية، لكن كيف نتأكد أن مجموعة الأهداف التفصيلية كافية كذلك لإتمام المهمة المستهدفة ضمن الوقت المحدد؟ لعل ذلك بحاجة لبحث معمق.
أما مبرر طرح هذا التساؤل فهو أن مساحة تحرك القطاع الخاص في الاقتصاد ليست خالية من التداخلات، فساحة الاستثمار مفتوحة، وفي العديد من القطاعات والأنشطة فإن عصا المبادرة والمبادأة ليست في يد القطاع الخاص، في حين أن المتوقع أن يكون له الدور الاقتصادي الأبرز مادامت مساهمته ينبغي أن تتصاعد بوتيرة عالية لتصل إلى 65 بالمائة، وهذا لا يعني قطعاً ألا يكون هناك شراكات وتكاملاً بين القطاع الخاص والجهات الحكومية، وفي مقدمتها صندوق الاستثمارات العامة، لكن الحال يتطلب الدفع بالقطاع الخاص دفعاً عبر مبادرات التشجيع والتحفيز ليأخذ المبادرة وليكون ريادياً.
وليس من شك أن الجهود الحثيثة والمتواصلة التي يبذلها صندوق الاستثمارات العامة في 13 نشاطاً اقتصادياً، وفي اجتراح وتمكين أنشطة اقتصادية جديدة، هو التوجه المعتمد وينبغي له ان يستمر ليحقق أهدافه الطموحة. أما المقترح المحدد هنا فهو إطلاق برنامج“تحوليّ”بمستهدفات لتمكين استثمارات القطاع الخاص”، يتمحور حول استقطاب استثمارات القطاع الخاص المحلي بزخم يرتقي للتطلعات، وهنا من الضروري استذكار ما كان قد بينه سمو ولي العهد عند اعتماد استراتيجية صندوق الاستثمارات العامة للأعوام 2021-2025 في يناير 2021:“أن الصندوق ينظر إلى القطاع الخاص بوصفه الشريك الأهم والدائم، وبه ترتبط نجاحات متعددة لا حصر لها، ولا يزال العمل مستمراً في تفعيل وإعطاء مزيداً من الفرص الجديدة للقطاع الخاص..”
وهدف البرنامج“التحوليّ”المقترح، وضع مستهدفات لاستثمارات القطاع الخاص المحلي تحديداً، فعندما نرجع إلى البيانات الاقتصادية الرسمية نجد التالي:
1 - أن مجموع إجمالي تكوين رأس المال الثابت «الاستثمار» غير الحكومي منذ اطلاق رؤية المملكة 2030؛ للفترة 2016-2022، بلغ 3,5 ترليون ريال، ويبدو أن هذا يشمل الضخ الاستثماري المحلي لصندوق الاستثمارات العامة، مما لا يتضح معه على وجه التحديد مقدار الضخ الاستثمار للقطاع الخاص.
2 - أن حجم الودائع الزمنية والادخارية في تنامي كبير «32,2 بالمائة خلال العام 2022»، يتجاوز بمراتٍ عدة نمو عرض النقود «8,1 بالمائة للعام 2022»، مما يعني أن هناك أموالاً مدخرة ولا تحشد استثمارياً من قبل ملاكها، ومن المهم معالجة ذلك، وهنا يأتي مبرر إطلاق برنامج“تحوليّ”بمستهدفات لتمكين استثمارات القطاع الخاص، فإن كان من قوة استثمارية كامنة للقطاع الخاص فهذه إحدى شواهد تلك القوة.