في رحاب دعاء الإمام الحسين (ع) في صبيحة عاشوراء «13»
معيني سبحانه في كل كرب:
أي ربط وعلاقة يمكن تصوره بين توجه الداعي بكل جوانحه نحو الله عز وجل، وبين انفراج الأمور وتغير اتجاه ريح الهموم والأحزان والقدرة على السيطرة على الأمور؟
تارة يكون مصدر القلق والاضطراب هو أمر مستقبلي لما يقع بعد، وإنما هو كالإعصار القادم الذي يرى بالعين وينتظر حلوله بعد ساعات مثلا في تلك المنطقة، وهنا يمكن تصور طلب العبد من بارئه أن يخلصه من هذه الشدة المقبلة، فقد ورد عن الإمام الصادق : قال الإمام الصادق : إن الدعاء يرد القضاء وقد نزل من السماء وأبرم إبراما» «الكافي ج 2 ص 469»، فإن الله تعالى في حالة الحكمة يغير ذلك القادم المخيف لصدق وإخلاص عبده المتضرع ويخلصه منها «البداء»، ففي قصة قوم نبي الله يونس يحدثنا القرآن الكريم بأنه لما أتم الحجة البالغة على قومه ودعاهم إلى توحيد الله تعالى، ووجابهوه بالعناد والتكذيب بآيات الله تعالى ولم يقبلوا منه، خرج من مدينة الموصل بعد أن أخبره سبحانه بنزول العذاب الدنيوي عليهم واستحقاقهم للنقمة الإلهية، ولما تدلت علامات العذاب من السماء وفزعوا إلى حكيم عندهم، أوصاهم بما يرفع العذاب وهو أن يخرجوا بقضهم وقضيضهم ويقدموا النساء والأطفال ويجأروا بالدعاء والتضرع لرب العالمين، وقد استجاب الله تعالى لهم ورفع العذاب بعد أن بانت علامات التوبة الصادقة منهم، قال تعالى: ﴿فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى? حِينٍ﴾ [يونس الآية 98].
ولكن هذه الحالة لا يمكن تصورها في حالة دعاء الإمام الحسين في صبيحة يوم عاشوراء، إذ أن الله تعالى قادر على كل شيء، ومنه دفع غيلة القتل عنه وأن يؤازره بنصر عسكري من عنده وإن كانوا قلة، كيف وقد نصر الله تعالى جده المصطفى ﷺ في واقعة بدر مع قلة عددهم، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ ﴿آل عمران الآية 123﴾ ، ولكن المشيئة الإلهية أرادته قتيلا يضج الكون لدمائه الزاكية ويغضب من الظلم والاستبداد.
الحقيقة التي ينبغي أن لا تغيب هي فكرة الانتصار المعنوي والخلود الذي لف واقعة الطف وجعلها قبلة الأحرار العاشقين للكرامة والعزة، فقصر النظر والبحث على أن الانتصار دائما يكون بانكسار العدو وتحقيق أكبر قدر من القتلى والإصابات فيه فقط هو مصدر هذا الاشتباه، فكما أن الابتلاء والشدة لا نرى لها إلا مخرجا واحدا هو انفراجها بسبب قصر فهمنا، وإذا بها تكون بابا لتحقيق مكاسب ومغانم معنوية لنا كتقوية روح الصبر والقوة الإيمانية وغيرها، فكذلك ما وقع من نتائج واقعة كربلاء فمن الصحيح أنها انتهت عسكريا بشهادة الإمام الحسين وأصحابه الكرام، وبذلك وقع في نفوس أعدائه بأن الأهداف المرجوة من قتاله قد تحققت وبذلك انتهت الحركة الحسينية الإصلاحية ولم يعد لها ذلك الصوت والتأثير، ولكن التخطيط الإلهي هو حفظ تلك الدماء الزاكية وتنميتها وإلباسها ثوب الخلود والتفاعل الوجداني والفكري مدى الزمان، بما يجعل لها المحورية في حركة الإنسان في تهذيب نفسه وتزكيتها، فمن جعل الإمام الحسين وأصحابه الكرام وما حملوه من صفات كالثقة بالله تعالى والرضا بقضائه والتفاني والإيثار والغيرة والتضحية والمروءة وغيرها من صفات الكمال الإنساني والأخلاقي وجه اقتدائه كان بذلك سائرا في طريق النجاح والفلاح، وخاب مسعى من لم يجد في خطاه وتفكيره ما يتصل بالنهج الحسيني.
الإمام الحسين في دعائه تأكيد بأنه يستمد العون والثقة والتسديد من الله تعالى، وإن أكرمه سبحانه بالكثير من الكرامات ومنها ما وقع في كربلاء، ومنها أن أصحاب الإمام الحسين قد حفروا بأمر من الإمام خندقاً حول الخيام وملؤوها ناراً، حتى يكون الحرب والقتال من جهة واحدة، فجاء عبد الله بن حوزة ونادى الحسين ، فقال: يا حسين أبشر فقد تعجلت النار في الدنيا قبل الآخرة!!
قال : ويحك أنا؟
قال: نعم.
قال : ولي رب رحيم وشفاعة نبي مطاع كريم، اللهم إن كان عندك كاذباً فجرّه إلى النار.
قال الراوي: ما هو إلا أن ثنى عنان فرسه فوثب فرمى به. وبقيت رجله في الركاب ونفر الفرس فجعل يضرب برأسه كل حجر وشجر حتى مات، فسجد الحسين » «مناقب آل أبي طالب ج 3 ص 214».