كربلاء مشكلة عائلية!
لفتني تعليق لأحد أصحابنا يختصر قصة استشهاد الإمام الحسين بأنه كان صراعا عائليا بين بني أمية وبني هاشم بهدف السعي إلى الزعامة، وقد انتهت القصة بموت الجميع ولذلك لا يمكن محاسبتهم، فالأموات لا يحاسبهم إلا ربهم يوم الحساب، أما الهدف الأسمى لإقفال ملف المحاسبة دنيويا فلكي نعيش متحابين.
ما أوجهَه من طرح! حلٌّ يريح جميع الأطراف ويقفل الملف لتكون النتيجة تعادلا وهل هناك أعدل من التعادل؟!
هذا حكم - على الأقل - أفضل من حكم قاضينا القديم والحاكم بأن الحسين قُتِل بسيف جده أو بشرع جده؟!
إذن صاحبنا يقترح علينا إغلاق ملف كربلاء العالق به غبار عمره ما يقارب 1400 عام فأبطاله أموات وفوق ذلك من عائلة واحدة، فما لنا وصراع الأموات والأقارب؟!
ولأني سريع الاقتناع فقد هممتُ بإقفال الملف وما أبطأني عن ذلك إلا كتابٌ كان بجانبي فقررت أولا أن أتصفحه خصوصا وأن صاحبنا طالما كان يستشهد منه في مواضيعه المختلفة، كان ذلك هو القرآن الكريم، فما الذي رأيت؟
رأيت عدة قصص مشابهة لقصة كربلاء وفقًا لنظارة صاحبنا؛ مشاكل وصراعات أبطالها من عائلة واحدة وكلهم ماتوا قبل أن يولد الحسين وأكثرهم بآلاف السنين، فهل تريد أن تعرف بعضا منها؟
حسنا لنعد إلى الوراء عدة سنوات فقط لنشاهد صراعًا بين جد الحسين النبي محمد ﷺ وعمه أبو لهب، ثم لنواصل العودة لعدة آلاف من السنوات، فماذا سنرى؟
هنا فرعون يعذِّب زوجه آسيا،
وهناك لوطا وقد ترك زوجه في البيت ليصيبها العذاب مع قومه،
وهذا إبراهيم في المنجنيق ليتم رميه في النار بسبب صراعه مع عمه آزر ودينه،
وفي داخل هذا الجبِّ طفلٌ صغير اسمه يوسف ألقاه إخوته فيه،
وفوق ذلك الجبل ابنُ نوحٍ الرافض من ركوب سفينة والده.
هذه بعض القصص ”العائلية“ إلا أن ما لفتني أكثر عندما واصلت الرجوع إلى الوراء حيث توقفت عند الأسرة البشرية الأولى، وهناك شاهدت أول جريمة أبطالها أبناء أول نبي، أبناء آدم قابيل وهابيل، جريمة حكاها لنا الله عز وجل بنفسه، أخبرنا بأنهما إخوة وحكم لهابيل على قابيل فلم يحكم بإغلاق الملف بحجة قدم القصة وقرابة الجاني والمجني عليه بل حكم على الجاني باللعنة الأبدية، كما حكم في جميع القصص التي مررنا عليها فبيَّن الحق والباطل وعلّمنا بأن الحق لا يسقط بالتقادم، ولست أدري ماذا لو سلمَّنا هذه الملفات ليحكم عليها صاحبنا هل سيحكم بين أبطالها؟ أو سيكتفي بإقفال تلك الملفات العائلية؟!
وهنا أستدرك لأتساءل: إذا كانت شهادة وفاة أي شخص تعني شهادة الصمت عن محاسبته ونقده - كما يقرّر صاحبنا - فهل يعني أن صاحبنا سيتوقف عن نقد ومحاسبة العلماء والفقهاء الموتى على أقل تقدير باعتبارهم حاصلين على الشهادتين؟!
إنه من العجيب أن تضطر لتكتب السطور الماضية لتقول بأن الحسين لم تكن قصته قصة عائلية بل إلهية وإنسانية فهو لا ينظر إلى عدوه من زاوية الأسرة بل إنه محارب لله وللإنسان كما كان فرعون وآزر وقابيل.
ولست أدري إذا لم نتمكن من الحكم للحسين بأنه هو من كان على حق حيث وصفه جده بأنه سيد شباب أهل الجنة، فهل سنتمكن من أن نصدر أحكاما في قضايا أخرى أسهل خصوصا وصاحبنا تكثر أحكامه؟!
حكم الله على قابيل وكلِّ من يقتل نفسًا واحدةً بأنه ”كأنما قتل الناس جميعا“ فكيف بمن قتل الحسين وآل محمد وسبى نساءه؟!
عجبي، ما لكم كيف تحكمون؟!