واقعة الطف ومعطياتها.. دين ودنيا
ها نحن نعيش هذه الأيام الحزينة المتشحة بالسواد من عاشوراء الشموخ والإباء ذكرى واقعة الطف الأليمة التي تحتوي على قبسات نيره ومشاعل مضيئة من التراث الضخم الذي يمثله الحسين وأصحابه في ملحمة تاريخية من البطولة والفداء والتضحية التي سطرتها تلك الثلة المؤمنة التي قدمت نفوسها قرابين كي ترفع راية لا إله إلا الله محمد رسول الله بحقها وحقيقتها، وعلى أركان ثابتة من العدل الإلهي والنهج النبوي الشريف.
صدحت هذه الحركة النضالية متصدية لؤلئك الظلمة الذين عاثوا في الأرض فسادا ودمارا وأهلكوا الحرث والنسل، فكان لا بد من حركة تصحيحية توعوية تعيد الأمور إلى نصابها الواقعي والطبيعي فجاءت هذه النهضة الحسينية المباركة لتطيح بتلك الزمر الفاسدة والظالمة التي أوغلت بفسادها وخرابها على كل الصعد الحياتية دينية كانت أو اجتماعية أو اقتصادية حيث لا أمن ولا أمان بل لا حقوق تصان أو أعراض تحمى بل أرذل الامتهان وانقلاب المقايس وتحطيم قيم الإنسانية بشتى أنواعها.
هنا كان لابد للمصلحين ورعاة الحقوق وأئمة الهدى والرشاد وحاملي الأمانة الربانية والمتمثل في سيد الشهداء أبي عبدالله الحسين والإصلاحيين الأحرار من أهل بيته وأصحابه من صحوة توقظ الأمة من سباتها متحملة كل تداعياتها ونتائجها من تضحيات جسام، لذلك باعوا أرواحهم رخيصة في سبيل إحقاق الحق وعودة الأصالة والنقاء إلى الإسلام الصحيح في مناهجه وسيرته العطرة البعيدة كل البعد عن ما يخدش ويعيب فيه.
أترى بعد كل هذه الوقفات البطولية والمصيرية التي قدمتها حركة الحسين وأصحابه قد رسمت طريقا واضحا وفكرا ناضجا... إذا لنأخذ من هذه المناسبة الجليلة، والتي تطل علينا سنويا دافعا لنا في إيجاد أرضية مشتركة يشارك الجميع فيها من بناء الثقة والاحترام المتبادل بين شرائح المجتمع، وأن نعالج قضايانا المعاصرة بعيدا عن التشنج والإثارة وتقريب وجهات نظرنا بأسلوب حضاري، وأن يكون بيتنا الشيعي يتسع لجميع الآراء والأفكار ما دامت تصب في خدمة الدين والصالح العام مع الأخذ بالاعتبار عدم التصادم اللفظي أو التضارب الفكري، وأن نجعل في اعتبارنا أن نكسب شبابنا وشاباتنا والتعامل معهم بما يتوافق وروح الشرع المقدس البعيد عن التعقيد والتنفير ومناقشتهم بكل هدوء وسكينة، ونكون لهم جميعا قلوب دافئة وحنونة بعيدة عن روح العصبية خاصة ونحن نعيش في زمن المتغيرات والمتبدلات بين لحظة وأخرى. وهنا فلا بد أن يكون هناك توافق خلاق مع هذا الجيل الجديد؛ لأنهم عماد المستقبل وهم من سيحمل الأمانة في المستقبل القريب لتكملة المشوار دينياً كان أو اجتماعياً أو اقتصادياً أو حضارياً ونكون بذلك قد ضمنا ثقتهم وتواصلهم فيما يستجد في قادم الأيام. هذا على صعيد، وعلى صعيد آخر مثلنا أئمتنا في سيرتهم وتاريخهم المشرق والمتعدد الوجوه والغايات والمقاصد العظيمة التي شيدوا بها الدين الحنيف في كل زمان ومكان.