أراجيز الطف 30
استحوذت الأبيات التي ارتجلها، الشهيد القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب، في يوم عاشوراء، على التعريف بالمقام الرفيع الذي ينتسب إليه، فالكلمات القليلة التي تضمنتها الأرجوزة تفيض بالاعتزاز، والفخر بالانتماء إلى أهل بيت النبوة، من خلال التركيز على الانتساب، إلى الإمام علي بن أبي طالب ، وصلة القرابة مع نبي الإسلام ﷺ، كما، أن الأبيات الشعرية تعيب على أهل الكوفة مناصرة عبيد الله بن زياد، في حربه ضد الصفوة المختارة من آل البيت .
ينطلق الشهيد القاسم بن الحسن في أرجوزته، من إماطة اللثام عن هويته، أمام جيش عمر بن سعد، بهدف إعطاء تلك الألوف الجرارة المعرفة المسبقة، بمستوى الشجاعة التي يمتلكها في المعارك، فهذه صفة متوارثة من الآباء إلى الأبناء في بني هاشم، فهو سليل الإمام علي الذي سطر البطولات، وهزم الأبطال في جميع المعارك، التي خاضها من جانب، بالإضافة إلى، تحميل الجيش الأموي المصير المحتوم في يوم القيامة، من الإقدام على ارتكاب الجرم الكبير، الذي يروم الإقدام عليه عبر إراقة الدماء الطاهرة من جانب آخر، لا سيما وأن هذه الدماء الزكية تنتمي إلى العترة الطاهرة، التي أوصى الرسول الأكرم ﷺ بطاعتها، وعدم الاعتداء عليها، حيث يقول القاسم في أرجوزته ”إني أنا القاسم من نسل علي“.
بينما يركز في الشطر الثاني من الأرجوزة، على التذكير بهوية المقاتل، المنحدر إلى ساحة المعركة، فهو سليل العترة الطاهرة من آل النبي، مما يجعله الأقرب إلى الرسول الأكرم ﷺ، من جميع المسلمين في كافة أرجاء الأمة الإسلامية، فهذه الكلمات تشكل رسالة تحذيرية للجيش الأموي، من فظاعة الجريمة الكبرى التي يرتكبها، خصوصا وأن قتل أبناء الأنبياء من الذنوب الكبيرة، التي لا تغتفر، وبالتالي فإنه يحاول إيقاظ الضمير الميت، الذي استحوذ عليه الشيطان، من خلال استخدام الكلمات المختصرة التي توصل المعنى للطرف المقابل، والكاشفة بشكل واضح عن صلة القرابة من النبي ﷺ، حيث يستخدم مفردة ”نحن“ للدلالة على شمول معسكر سيد الشهداء ، بالانتماء إلى نبي الإسلام ﷺ، بالإضافة إلى ذلك، فإنه حرص على توظيف ”بيت الله“ بما يحمل من قدسية ومكانة خاصة لدى عامة المسلمين، بحيث قرن ”نحن“ و”بيت الله“ في مستوى واحد، فيما يتعلق بالانتماء وبالقرب من الرسول ﷺ، الأمر الذي يعطي دلالة على مدى القدرة، على استخدام البلاغة العالية، في إيصال الرسالة إلى الطرف المقابل، حيث يقول ”نحن وبيت الله أولى بالنبي“.
فيما يعيب الشهيد القاسم في الشطر الثالث من الأرجوزة، على الألوف المتحفزة لإراقة دماء سيد الشهداء وأهل بيته وأصحابه، من خلال الوقوف خلف ”ابن الدعي“، والمتمثل في عبيد الله بن زياد، فهذا الجيش آثر مناصرة أبناء الأدعياء، على حمل السيف للدب عن سليل العترة الطاهرة، الأمر الذي يكشف النوايا الدنيوية لتلك الألوف، العازمة على تفضيل الذهب والفضة، وترك الخلود الأبدي في دار الآخرة، خصوصا وأن مكانة سيد الشهداء ليست خافية على الجميع، بالإضافة إلى الأحاديث الصادرة عن النبي ﷺ، التي تتحدث عن فضل الحسن والحسين تناقلتها الألسن في المجتمع الإسلامي، الأمر الذي يكشف المستوى الذي وصل إليه المجتمع الإسلامي، من مناصرة أولاد الزنا، وخذلان سبط الرسول ﷺ، حيث يقول ”من شمر ذي الجوشن أو ابن الدعي“.
كما يصور في أرجوزة أخرى ارتجلها، القاسم بن الحسن في كربلاء، موقف سيد الشهداء في يوم عاشوراء بـ ”الأسير المرتهن“، فالجيش الأموي الجرار وقف سدا منيعا، أمام الإمام الحسين ، من خلال رفض جميع الخيارات، التي طرحها سيد الشهداء ، لتجنب الحرب والعودة إلى الديار ”المدينة المنورة“، فجيش عمر بن سعد عقد النية على القتال، وإجبار سيد الشهداء على الدفاع عن النفس، بالعدد القليل من الأنصار، حيث استخدم مفردات ذات وقع كبير في النفس، من خلال الاستفادة من المفردات البسيطة، في إيصال الصورة الدقيقة، لوضع الحسين في نهار عاشوراء، فهو يقف كالأسير وسط الجيش الجرار، الذي احتشد لقتال أعداد قليلة، حيث يقول ”هذا حسين كالأسير المرتهن“.
في الشطر التالي وضع الشهيد القاسم بن الحسن، الإصبع على العلة الحقيقية، من وراء إصرار الجيش الأموي، على ارتكاب الجريمة الكبرى في يوم عاشوراء، فهذه الجموع الكبيرة تعاني من قحط الضمير، والافتقار إلى السلوك الأخلاقي، حيث يستخدم الاستعارة البلاغة، في وصف جيش عبيد الله بن زياد، من خلال استعمال ”لا سقوا صوب المزن“ الذين حرموا من نعمة مياه الأمطار، فالكلمات تتحدث بشكل صريح عن الجيش الأموي المحروم من نعمة الخير وكذلك الحرمان من حسنة العاقبة، جراء الإصرار على المشاركة في جريمة كبرى، لم تعرف الإنسانية مثيلاً لها على مر العصور، حيث يقول ”بين أناسٍ لا سقوا صوب المزن“
وتنقل كتب السير أن القاسم بن الإمام الحسن المجتبى ارتجز في يوم عاشوراء عندما برز إلى ساحة الميدان قائلا:
إني أنا القاسم من نسل علي
نحن وبيت الله أولى بالنبي
من شمر ذي الجوشن أو ابن الدعي
وكما ارتجز القاسم بن الحسن جيش عبيد الله بن زياد قائلا:
إن تنكروني فأنا فرع الحسن
سبط النبي المصطفى والمؤتمن
هذا حسين كالأسير المرتهن
بين أناسٍ لا سقوا صوب المزن