آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 1:35 م

أراجيز الطف 29

محمد أحمد التاروتي *

غلبت على الأبيات التي ارتجزها، الشهيد عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب، في يوم الطف الشجاعة، والقدرة على الأنقاض على العدو بسرعة فائقة، فهو يمتلك الإمكانيات القادرة، على إلحاق الهزيمة بالعدو، حيث اكتسب تلك الشجاعة والإقدام في المعارك، من بطل الإسلام الخالد، ومفرق الكتائب، الإمام علي بن أبي طالب .

ينطلق الشهيد عبد الله بن الحسن في أبياته، من التعريف بالذات أمام الجيش الأموي، حيث حرص على التذكير ببطولات جدة ”حيدرة“، بهدف إدخال الخوف والرعب في قلوب العدو، خصوصا وأن الداني والقاصي من العرب، يعرف الصولات والجولات، التي سطرها إمام المتقين ، في جميع الحروب التي خاضها، سواء تحت لواء رسول الله ﷺ، أو خلال خلافته في المعارك اللاحقة، وبالتالي فإن الشهيد عبد الله بن الحسن، عمد لإعادة التذكير بشجاعة جدة أمام الأعداء، بهدف إيصال رسالة واضحة أن تلك الشجاعة المعروفة، للإمام علي ليست مفقودة لديه، فهذا الشبل من ذلك الأسد، حيث يقول ”إن تنكروني فأنا ابن حيدرة“، فالشهيد عبد الله بن الحسن، ركز على ”حيدرة“ في مطلع الأبيات بطريقة ذكية، بهدف لفت الانتباه لدى الجيش الأموي، خصوصا وأن حداثة السن ليست سببا للتجاهل، أو عدم الاهتمام بالمقاتل المتحفز للقتال، والدفاع عن الإسلام، وبذل الروح، في سبيل نصرة سبط المصطفى .

بينما استخدم في الشطر الثاني من الأرجوزة، عبارات ترمز إلى قوة البأس، والانقضاض على العدو دون رحمة أو هوادة، حيث حرص على الاستفادة من القدرات البلاغية، التي يمتلكها في توظيف معاني الشجاعة، عبر الاستفادة من المفردات المستخدمة لدى العرب في القوة، فقد وظف مفردة ”ضرغام“ بطريقة مباشرة وذكية، لبث الخوف في نفوس الجيش الأموي، خصوصا وأن ”ضرغام“ أحد أسماء ”الأسد“، بالإضافة للاستفادة من مفردة ”آجام“، التي تعني مأوى الأسد، وبالتالي فإن الغرض من استخدام هذه الكلمات، يتمثل في كونه بمثابة عرين أو مأوى الأسد، مما يعني فإن الاقتراب من عرين الأسد يمثل الموت في جميع الأحوال، بيد أن الكلمات الأخرى تدعم الهدف المقصود من نظم، تلك الكلمات الحاملة للشجاعة، إذ يستخدم ”ليث قسورة“ والتي تعني الأسد القوي الغالب، وبالتالي فإن الكلمات القليلة المستخدمة في الشطر الثاني من الأرجوزة، تتمحور في غرض توظيف جميع المفردات في إيصال رسالة، بأنه ورث الشجاعة والإقدام من جده ”حيدرة“، وبالتالي فإن الخوف من الموت ليست واردا، أو موجودا في قاموس عشيرة بني هاشم، فجميع أبناء بني هاشم يتراكضون للموت في سبيل الله بقلوب ثابتة ومطمئنة، خصوصا وأن الموت في سبيل الدفاع عن القيم، ومقاومة الانحراف يحفز من الرغبة في الشهادة، حيث يقول ”ضرغام آجام وليث قسورة“، إذ يمتلك القدرة والعزيمة الراسخة، للوقوف في وجه الجيش الأموي، من أجل التضحية بالروح في سبيل الله، ومقارعة الجور والظلم، فضلا عن التمسك بالقيم الإسلامية، التي ترشده على الثبات على الموقف الصحيح، بالوقوف خلف سيد الشهداء ، وعدم التنازل عن القيم الراسخة، التي يطالب بها الإمام الحسين ، والمتمثلة في الإصلاح، وتقويم الاعوجاج الذي تحاول الدولة الحاكمة تكريسه في الأمة الإسلامية.

فيما ينتقل الشهيد عبد الله بن الحسن، إلى الشطر الأخير من أرجوزته، باستخدام المفردات الداعمة للشجاعة، حيث وظف الكلمات القليلة بشكل رائع للغاية، إذ استطاع إيصال المراد من الأبيات بطريقة سهلة وسلسة، من خلال الاستفادة المخزون البلاغي الذي يمتلكه، عبر استخدام ”ريح صرصرة“، فهذه الكلمات دلالة على السرعة، والقدرة الاستثنائية على إزهاق الأرواح دون رحمة، أو شفقة على العدو، خصوصا وأن الجيش الأموي لم يدخر وسيلة من الوسائل القذرة، أثناء المعركة في يوم عاشوراء، فمنع الماء عن معسكر سيد الشهداء ، من الوسائل القذرة وغير الأخلاقية، في الحروب على الإطلاق، ومن ثم فإن الشهيد ”عبد الله بن الحسن“ يمتلك من الأسباب الكثيرة التي تدفعه، لإعمال السيف على رقاب جيش عمر بن سعد، فاستخدام مفردة ”الأعادي“ جاءت في مكانها المناسب، لاسيما وأن الآلاف الواقفة أمام سيد الشهداء في ساحة الطف، متحفزة لإراقة الدماء، وارتكاب الفظائع، والإقدام على جريمة تهتز لها السماوات والأرض وهي قتل الإمام الحسين ، فضلا عن ممارسة الكثير من الأعمال المخالفة، لأخلاقيات الحروب لدى العرب، فهو يقول ”على الأعادي مثل ريح صرصرة“.

وتنقل كتب السيرة أن الشهيد عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب، ارتجز بعض الأبيات أثناء انحدار ساحة المعركة عندما كان في حجر عمه الإمام الحسين ، حيث قال:

إن تنكروني فأنا ابن حيدرة

ضرغام آجام وليث قسورة

على الأعادي مثل ريح صرصرة

كاتب صحفي