المُحرّك الأول للشعائر الحسينيّة
إذا بحثتَ عنه سوف تراه معالجًا للأرواح الضّالة، يرشدُها بنفحاته المَشْبُوبَةِ بحبّ الله تعالى، يشقّ في صحيفته السجاديّة طريقًا نحو السماء.
لاريب فقد أنبتته أرضٌ مُحمّديّة فكان من الجَهَابِذَةِ العِظَامِ وأعلامِ الفكر العلويّ.
وكلّما اشتدّ بنا الوجْدُ لمناجاة اللهِ تعالى لاحت كلماته في بيان مُشرق ولوحة بلاغيّة فاخرة.
لم يكن الإمام زين العابدين أسيرًا في كربلاء وإنما كان منبرًا حسينيًّا استلْهم خطبه من حرارة كربلاء، يخطو خطوات واسعة في رواياته إلى أن أصبح المحرّك الأساسي في انتشار الشعائر الكربلائية.
أصبحت كربلاءُ موضوع كلّ ساعةٍ عند الإمام زين العابدين يروي زيارته الأولى لقبر والده وإخوته وقرابته فتمتزج دموعه بالماء والطعام، يحثّ الشّعراء على رثاء والده الحسين ويجزل لهم العطاء مكافأة لهم على حسن نصرتهم لأهل بيت رسول الله.
إنّ منهج الإمام زين العابدين في نشر قضية كربلاء دوافعها ونتائجها كان منهجا إعلاميًّا
نفيسا فقد بدأ حَرَاكَه الإعلاميّ بعد عودته من كربلاء برفقة عمّاته وأخوته وهم على مشارف المدينة مُخاطبا بُشْر بن جَذْلَم «وقِيل بشير» بعد أن حطّ رِحالهم وضرب فسطاطه قائلًا:
يا بُشْر رحم الله أباك لقد كان شاعرًا فهل تقدر على شيء منه؟
فقال:
بلى يا بن رسول الله ﷺ إنّي شاعر.
فقال :
أدخلْ المدينةَ وانعِ أبي عبد الله قال بُشر:
فركبتُ فرسي وركضتُ حتى دخلتُ المدينة فلما بلغتُ مسجدَ النبي ﷺ رفعتُ صوتي بالبكاء وأنشأتُ أقول:
يا أهلَ يثرب لا مقام لكم بها قُتل الحسين فأدمعي مدرارُ الجسم منهُ بكربلاء مضرّج والرأس منه على القناة يدارُ وإذا نحنُ أمعنّا النّظر سوف نرى تفصيلات ودقائق كربلاء ظهرت على أكتاف الإمام زين العابدين وعمته السيدة زينب سلام الله عليهما فهما الوسيلة لنشْرِ أحداث كربلاء منذُ دخولهما دمشق حتى وصولهما للمدينة المنورة.
ويُذكر أنّ الإمام زين العابدين لم يُقدّم له شرابًا أو طعامًا بعد واقعة كربلاء إلّا امتنع عن الأكل والشرب مُتعللًا بقوله:
«كيف آكل وقد قُتِل ابن رسول الله جائعاً، أم كيف أشربُ وقد ذُبح ابن رسول الله عطشانًا ظمآنًا»
من جانب آخر لايعقل أن يترك الله تعالى ماحدث في كربلاء طيّ الكتمانِ، ودون أنْ يكتملَ المُخطط الإلهي الذي أعلن عنه الإمام الحسين إبّان خروجه من مكة. فالله سبحانه وتعالى خلق بقاعًا مقدّسة لا تُحجب أنوارها عن السماء ولا عن أهلِ الأرضِ، أصحابها أقوياء الشّكيمة
مُتَضلّعُون في معرفة الله، يلبوّن نداء الله دون خوف، وينزل الموتُ بساحتهم نزول النّدى على الخميلة، وما شهداء الطفّ وخيرة أصحاب الحسين بمنأى عنهم.