آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 1:35 م

أراجيز الطف 28

محمد أحمد التاروتي *

ركّز الشهيد عون بن عبد الله بن جعفر، في أرجوزته بيوم عاشوراء، على التعريف بالذات أمام الجيوش المحتشدة على أرض كربلاء، من خلال الانتساب على جده ”جعفر الطيار“، فهو يفتخر بجده باعتباره الشهيد، الذي يطير بجناح أخضر في الجنان، الأمر الذي يعطيه زخما قويا للسير على خط الشهادة، أسوة بجعفر الطيار.

يتناول الشطر الأول من الأرجوزة، التعريف بالنفس، وإظهار الكثير من الاعتزاز بالذات، بهدف إماطة اللثام عن هوية المقاتل الواقف، في ساحة الميدان بمواجهة الجيش الأموي، من خلال الانتساب إلى شهيد معركة ”مؤتة“ الذي سطر البطولات أمام الجيش الرومي في ”الأردن“، بهدف تذكير وإعادة الأذهان لجيش عبيد الله بن زياد بالشجاعة والبطولة، التي اكتسبها من جده في خوض المعارك من جانب، والإجابة على جميع التساؤلات بخصوص هوية البطل الواقف في ميدان الحرب من جانب آخر، خصوصا وأن الجيش الأموي يتكون من أعداد كبيرة، لا تعرف الشاب المقاتل ولم تره مطلقا، جراء حداثة السن وكذلك كونه عاش وترعرع في المدينة المنورة، ولكنها - الجيوش الغفيرة - على معرفة مسبقة بالشهيد جعفر الطيار، حيث يقول ”إن تنكروني فأنا ابن جعفر“.

بينما يتحدث عجز البيت الأول من الأرجوزة، عن صفات جعفر الطيار، فهو الشهيد الصادق الذي بذل نفسه رخيصة، في الدفاع عن بيضة الإسلام في مواجهة جيش الكفر، في معركة ”مؤتة“ التي أظهرت الفداء والتضحية لدى الجيش الإسلامي، حيث قطعت يداه في تلك المعركة الخالدة، مما أكسبه الخلود في الدنيا والدخول في الجنان، وبالتالي فإن الشهيد ”عون“ يحاول إيصال رسالة واضحة للجيش الأموي، تتضمن الرغبة الصادقة في التمسك بالخط، الذي رسمه رسول الله ﷺ في الدفاع عن المبادئ الإسلامية، والوقوف في وجه الباطل، ونصرة الحق مهما كانت الظروف، وكذلك التمسك بطريق الذي سلكته العطرة الطاهرة تنفيذا لأوامر الرسول الأكرم ﷺ، من خلال السير خلف الإمام الحسين ، الأمر الذي يفرض التضحية بالذات، في سبيل الدفاع عن المبادئ والقيم، التي ينادي بها سيد الشهداء ، فهناك انسجام واضح بين التضحية بالنفس في سبيل الإسلام، سواء في عهد المصطفى ﷺ، أو خلف سبط الرسول ، حيث يقول في الأرجوزة ”شهيد صدق في الجنان أزهر“.

فيما ينتقل الشطر الأول، من البيت الثاني من الأرجوزة، إلى الكرامة التي اختص بها الله الشهيد جعفر الطيار، حيث أبدله الباري - عز وجل - بجناحين يطير بهما في الجنة، وذلك بعد قطع يديه في معركة ”مؤتة“ التي قادها إمام جيش الروم، وبالتالي فإن الشجاعة من الصفات المتوارثة في عشيرة بني هاشم، فهي ليست مختصة بشخصية دون أخرى، وإنما صفة الشجاعة يتشارك فيها الجميع، الأمر الذي يفسر الركض نحو الشهادة، وعدم التردد في خوض غمار الحروب، مهما كانت النتائج، نظرا لوجود البأس وعدم الخوف في النفوس، من منازلة الأبطال، أو تسلل الوجل من مقارعة الأعداء في المعارك، لا سيما وأن الموت بشرف في الدفاع عن الإسلام يعد منزلة رفيعة، فالشهادة وسام لا يناله سوى أصحاب المقام السامي، الأمر الذي يستدعي استحضار الشهيد جعفر الشهادة، من أجل استلهام الدروس، والتزود بالحماسة، وعدم التفكير في الدنيا مقابل الشرف الكبير في نيل الشهادة، خصوصا وأن الموت في الدفاع عن سبط المصطفى أمنية، لا يحظى سوى الصفوة من المؤمنين، حيث يقول ”يطير فيها بجناح أخضر“.

ويختصر في عجز البيت الثاني من الأرجوزة، استدعاء سيرة الشهيد جعفر الطيار، بمفردات غالية في الروعة، وتحمل الكثير من المعاني، فهو يعتبر الاقتداء بجده شرف كبير، حيث ينال الشهيد الشرف الكبير في المحشر، فالسير على خطى الشهيد جعفر الطيار، مصيره معروف سلفا وهو العلو والرفعة، في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا يحظى بالغبطة والاحترام الكبيرين، من خلال استمرار سيرته العطرة على الألسن على مر العصور، حيث يتمنى جميع المسلمين الحصول على جزء من الكرامة، التي حظي بها في الدنيا، بينما تفتح الجنان أبوابها إلى الشهيد، حيث يحظى بمقام رفيع، خصوصا وأن التضحية بالنفس في سبيل الله، كرامة كبرى ليست متاحة للجميع، الأمر الذي يفسر الأوسمة الكثيرة التي يحملها الشهداء على الدوام.

وتنقل كتب السير التي تناولت معركة كربلاء، أن عون بن عبد الله بن جعفر ارتكز بمجرد انحداره إلى ساحة القتال قائلا:

إن تنكروني فأنا ابن جعفر
شهيد صدق في الجنان أزهر

يطير فيها بجناح أخضر
كفى بهذا شرفا في المحشر

كاتب صحفي