آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 2:20 ص

عن عاشوراء والمنبر نتحدث: ”ماذا لو اخترع العرب الكمبيوتر“؟

الدكتور فؤاد السني *

أتذكر من أوائل المقالات التي كتبتها في فترة إدخال الحاسب الآلي المكتبي للسوق وإضافاته المتتابعة، تطرقت في أحدها للمصطلحات التي استخدمت في تسمية أجزاء الحاسب، ووقفت مليا عند الفأرة!! واستحضر بعض التعليقات بين الأصدقاء والزملاء والأهل في بداية تداول تسمية الفارة التي كانت تعبر عن عدم ارتياح لهذا المسمى «الفأرة» كجزء من الحاسب. ”جيب الفأرة“، ”اشتر لي فأرة“، و”وين الفأرة“ تحتاج لشرح مبسط لمن هو بعيد عن أجواء الحاسب واستخدامه الذي لم يكن واسعا بل محصورا جدا.

تساءلت حينها ”ماذا لو اخترع الحاسبَ العرب“؟ هل كانوا سيسمون الفأرة بنفس الاسم؟ أم أن الاسم لا يلائم ثقافة العرب، ولا يناسب بيئتهم. فلدى العرب موانع وحواجز تقف دون إطلاق مسمى الفأرة ”النجسة“ على هذا الجهاز الذي يحتضنه كَفُنا ونحركه في كل الاتجاهات لنصل لمبتغانا من الشاشة، ويكون أول تواصل معه عن طريق ”الفأرة“!

على قناعة أن اسم فأرة هذا في فترة اختيار مخترعي الكمبيوتر العرب، اسما لهذه الأداة، لن يكون أحد الخيارات فضلا عن اختيار ”الفأرة“ اسما، ولا أعرف حقا أين سيستقر اسمه! لكني أتفهم أن الفأرة أمر طبيعي في ثقافة المجتمعات أن يكون خيارا لتشابه الشكل الذي ربما أوحى وضعه كخيار، إضافة لعدم وجود الحواجز مع الفأرة لديهم والإثارة التي يسببها.

عذرا أطلت، فنحن عن عاشوراء وفي أيامها نتحدث. قبل عدة أيام، كتبت بعض أسطر أدون فيها تحفظي الشديد على اقتباس بعض المقولات من البيئات الأخرى وخصوصا البيئات التي هي في عمق معانيها بعيدة عن مجتمعاتنا في توجهاتها الدينية، وخصوصا إذا اقترن اقتباسها محاولات لإسقاط تلك المقولات على المجتمع المحلي، تصريحا أو تلميحا. فالمقولة التي تقتبس لا تنحصر في شكلها حروفا انتظمت في كلمات وكلمات تتابعت لتشكل معنى فقط. بل إن أي مقولة تقال، هي في حقيقتها انعكاس لعدة أمور أنتجت هذه المقولة. هي ربما تكون انعكاساً للشخص وما يؤمن به وما يمر به في ظروف إطلاقها على المستوى الشخصي، وعلى مستوى المجتمع، وكذلك هي قد تحمل بصمات البيئة التي يعيشها وهو على تماس معها.

إذا كانت مقولة تحمل كل هذا، ونحتاج أن نعرف كل ذلك من أجل تفحص ملاءمة المقولة من عدمه لمجتمعنا، فمن باب أولى أن يكون هناك تحفظ أشد على اقتباس مواقف ورؤى اجتماعية أو نفسية أو اقتصادية أو إنسانية بشكل عام. أعني بها التي تشكلت في بيئاتها التي لا تتقاطع مع بيئاتنا على المستوى العملي إلا في أضيق الحدود. فاقتباسها وإسقاط تطبيقها في مجتمعاتنا بدون فحص الظروف المحيطة بتكونها المتمثل في البيئة التي احتضنت دوافع وأهداف تطبيقها هناك.

نعم، قد يكون في استلاف المقولات نوع من الترقيع الناعم. لكن في استلاف الأفكار والمواقف ترقيع واسع ربما ينتج تشوهات فكرية إذا لم يتم دراسة بيئة ودوافع وآليات إنتاجه وتطبيقه في الغرب، ومعرفة مقومات ومؤشرات نجاحه التي أولها مناسبة بيئة ودوافع وشخصيات تلك الرؤية أو الموقف، لمجتمعنا أو تكييفه بما لا يجعله نشازا.

وبطبيعة الحال، لا بد من الوقوف عند بعض المفاصل التي يبرز فيها أن ما يطرح فيه خلفيات ودوافع ومقومات قد تتعارض مع المحددات التي ينتظم فيها المجتمع، فلا يمكن الأخذ بها وإن كانت نتائجها هناك إيجابية؛ مما يجعل تبنيها جاذبا ومشجعا!!

في الخلاصة، التحديات التي تواجه وستواجه مجتمعاتنا تحتاج إلى أطروحات تواكب هذه التحديات. وهذه الأطروحات الجديدة لا يمكن أن تتشكل إلا مع قراءة الواقع وقراءة الإسلام بعمق ينتج عنه طرح جديد في جوانب مختلفة من الحياة، وتتكامل هذه الأطروحات لتشكل أطروحة متكاملة للدين في مجتمعاتنا. وللأسف نحن أبعد ما يكون عن هذا.

بطبيعة الحال، وكوننا بعيدين عن هذا كثيرا، فالمحاولات الواعية والمدروسة بعمق لاستلاف أو تبني ما لدى الآخرين. مع الأخذ بالاحتياطات في عزل سلبياتها، وصياغتها بما يمكن أقلمتها في المستقبل مع ما يتوقع حدوث تعديلات عليه، يمكن أن ينظر إليه على أنه بداية التحرك المسؤول والحذر، والذي لا بد من أن يواكبه عمل حثيث على المستوى النظري.

في عاشوراء وهو ما حرك كل هذا الحديث، هناك خطباء كبار يدفعون للرقي بالمنبر، وتتعدد أوجه الإضافات التي يتأملون منها أن ترتقي به اسمي منبرا فكريا أو غيره، فلا تهم التسميات.

ما يهمنا هو أن يكون المنبر الذي يحي عاشوراء هو ناتج عن رؤية شاملة وعصرية للمجتمع وحركته التي نشهد وللدين. ومن هذه الرؤية الشاملة تتبلور رسالة المنبر الذي يرتقي بالمجتمع. وما يهمنا هو أن لا يكون أي محاولات للرقي به، هي محاولات تأتي أولا، ولا رؤية أو إطار نظري شامل يحكمها منطلقا من فهم الدين والمجتمع. بل مبادرات بعضها يقفز بخطاب المنبر لمستوى نخبوي يحسب متبنيه أنه يخدم بذلك المنبر، أو بخطاب علمي يتأمل من ذلك سد فجوة العلم التي يتوقع أنها سبب لبعض مشاكل المجتمع، أو بخطاب يعتمد فيه على ما لدى الشعوب والمجتمعات الأخرى دون ملاحظة ما تحمله معها من ثقافة حتى وإن كانت ”تزين“ الخطاب بأسماء ربما يراها أنها تبهر، ومقولات ”تلفت“، ومواقف ”تقنع“ وأسلوب ”لابد أن يتبناه مجتمعنا“ وسياقات يجد فيها البعض ”ضالته“ وكأن النجاسة لا تتجسد إلا في تلك ”الفأرة“ التي تحتضنها الأكف قبل وبعد الصلاة دون الحاجة لتجديد وضوء الصلاة.

مأجورين مثابين.

رئيس قسم هندسة النظم السابق بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن