آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 1:55 م

ثمالة من نوع آخر!

حسين علي حبيل

اللقاء الأول الذي جمعني بإنسان مخمور كان في جمهورية الهند إبان فترة دراستي الجامعية قبل أكثر من 10 سنوات، وتلا ذلك مواقف كثيرة مثيرة للضحك والشفقة معًا! لا زلت أتذكر منظر ذلك الرجل العجوز وهو ممدد على قارعة الطريق بثيابه البالية وقميصه الممزق. في البداية خلت أنه ميت أو هكذا بدا للناظرين، فلم يوقظه تبوّل الكلب السائب قربه، وكان يضم قنينة الخمرة إلى صدره كأم تحتضن وليدها.

السؤال المربك الذي شغلني يومها: ما الذي يدفع رجلاً في خريف عمره إلى معاقرة الخمرة؟ أتراه كان مؤمنًا بالفلسفة الوجودية، وأراد أن يمجد هذه اللحظات المتبقية من حياته؟ وهل أن الثمالة سلوك بشري يعبر عن الاستمتاع بالحياة؟

قد يتمخض عن هذا السؤال أسئلة أخرى تبعث على الحيرة، والكثير من القلق.

من المعروف أن الإدمان على تناول المسكرات سبب لحدوث الكثير من الجرائم والحوادث، دون أن يقر أصحابها بذلك لاحقًا؛ وغالبًا ستنكر ”ذاكرة السمكة“ في عقولهم تواجدهم في مسرح الجريمة / الحدث! سترتفع حواجبهم بالدهشة حين تستيقظ عقولهم من سباتها، فكما يقولون ”تلاشت أو ضاعت السكرة وجاءت الفكرة“.

قال آخرون أيضًا أن قلة النوم تضاهي تأثير تناول الكحول؛ لما يحمله ذلك من عواقب وخيمة على الجهاز القلبي الوعائي.

مجددًا أتساءل: ما الدافع وراء رغبة الإنسان في ذهاب عقله ”بصورة مؤقتة“ حين يثمل؟

قد يجيب البعض منّا: هربًا من مجابهة الواقع، والضغوطات النفسية والظروف المعيشية التي يواجهها الإنسان؛ فإنه يلجأ لاحتساء الخمرة. ولكنك ترى الكثير من الميسورين والممثلين والأثرياء في العالم يعاقرون الخمرة، وتجرهم إلى قاعات المحاكمة كما حدث لنجم بوليوود الممثل سلمان خان، حين فقد السيطرة على سيارته متأثرًا بالخمر، وأودى الحادث بحياة رجل مشرد كان ينام على الرصيف في عام 2002، ونفى البعض حينها أن سلمان والسائق الذي كان معه مخمورين، وكذلك فعل سلمان، فعلق أحد الصحفيين ساخرًا: ”أيعقل أن السيارة كانت هي المخمورة؟!“.

الأخطر من ثمالة العقل المؤقتة أن تتلقف عقل الإنسان أيدي العابثين، وتأخذه في رحلة إلى كهوف مظلمة مكرهًا دون أن يمتلك الحق في رفض وصايتها عليه، فيعيش عقله سجينًا لأفكار وممارسات لا يرتضيها العقلاء. تمعن مثلًا في المقاطع المنتشرة كالنار في الهشيم في وسائل التواصل الاجتماعي، فستجد حسابات شتى تتسابق لاستعراض مناظر غريبة ومشاهد مخجلة لإنسان هذا العصر، وهو يخلع ما تبقى من الحياء بل إنسانيته. قيل أنها النسخة الحديثة من ”الإنسان المتحضر“، وأظن أن الإنسانية هي من تحتضر اليوم أمام كل هذا العبث.

تأمل في التنظيمات الإرهابية وأخواتها غير الشقيقة السرية التي يسيطر فيها أشخاص ”مجهولون“ على عقول المئات بل الآلاف من البشر دون أن يحرك واحد منهم ساكنًا، وإن فعل فمصيره هو الموت بأصنافه الوحشية المتعددة، أو في حالات أخرى موت من نوع آخر عبر الإقصاء فالتقريع وتلطيخ سمعته.

حقًا. إنها جريمة كبرى أن ينام العقل، وثمالة من نوع آخر أشد فتكًا بالعالم أجمع.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
مصطفى حسن علي
[ البحرين ]: 25 / 7 / 2023م - 4:59 ص
احسنت عزيزي الاستاذ حسين حبيل على هذا المقال المشوق والمثري
حقا فالثمالة خروج من الادراك والاحساس بالعالم يسقط فيها من لا يستطيع أن يستمرفي التعامل مع الحياة بجد ، كذلك هم سكارى السوشيال ميديا يبحثون عن خمر الترند والمشاهدات مهما كان المحتوى سلبيا

كل التحية