هكذا هي الحوارات الحسينية في إصلاح ذات البين
في جلسة أخوية حوارية في أحد المجالس الحسينية أثيرت بعض مواضيع الساعة السائدة هذه الأيام والتي يتناولها أغلب الناس في أحاديثهم عن بعض الأحداث المجتمعية وتبعاتها وما يتمخض عنها من آراء وأفكار، فكل يدلي بدلوه، خلاصة القول في ما تطرق إليه البعض منهم فيما يلاقيه من سوء خلق ومعاملة خشنة من أقرب الناس إليه صلة ونسبا بسبب سوء تفاهم في أمر ما، وهذا ما يشتكي منه الكثير من الأسر حيث الترابط العائلي لا يأخذ مجراه الطبيعي، فتراهم يتحاشون بعضهم بعضا، ويصل الأمر إلى قطيعة الرحم فيما بينهم في الوقت الذي تراهم فيه يتهافتون على حضور مجالس الذكر والوعظ خاصة ونحن نعيش هذه الأيام ذكرى ملحمة عاشوراء الفداء والتضحية التي كرست الكثير من القيم الأخلاقية والسلوك المثالي الذي يسمو بالإنسان بغض النظر عن وجاهته ومقامه ومكانته ولكن تجمعه الأخوة والنسبية والعقيدة والإنسانية في أسمى معانيها مصداقا لذلك ما نقل عن إمام البلاغة والحكمة والفصاحة الإمام علي ابن أبي طالب عندما قال: إن أخاك حقا من غفر زلتك وسد خلتك وقبل عذرك وستر عورتك ونفى وجلك وحقق أملك، عبارات تكتب بماء الذهب لأنها لو طبقت بحذافيرها بين أبناء البشر لساد الحب والوئام وما بقي أثر لأي شقاق أو خصام وهذه هي خلق وسماحة الإسلام وسعيه لطي أي خلافات بين أبناء المجتمع الواحد، فما بالك بين أبناء العائلة الواحدة عندما تنزع الأحقاد والكره من القلوب وتسود الألفة والمودة بين الناس جميعا حيث لا فضل لأحد على أحد إلا بتقوى الله جل جلاله.
هنا نقول أين هؤلاء المتباعدين والمتخاصمين والمتنافرين من هذه التوصيات الحكيمة والخصال العظيمة التي شرعها وأكد عليها المصلحين المتمثل في أمير المؤمنين وما رسخه من قيم ومبادئ نادى وأوصى بها ديننا الحنيف، حيث قال إن الناس سواسية في الحقوق والواجبات ولو طبقت هذه المعايير بحذافيرها لساد الحب والوئام بين أبناء المجتمع الواحد بل بين أبناء العائلة الواحدة بل بين كافة الشعوب الإسلامية وما بقي للكره والحقد في النفوس مكان.
ها نحن نعيش هذه الأيام ملحمة عاشوراء المقدسة وقد ضرب سيد الشهداء الحسين ابن علي عليهما السلام أروع مثل في الأخوة والعدالة البشرية والإيثار ومعنى التسامح والتصافح في أجل معانيه ونصرة الحق ومحاربة الظالم فقدم نفسه الزكية ومن معه من الركب الحسيني مثلا في التضحية والجهاد بأمر إلهي ونهج نبوي، وها هم إخوة الحسين وأصحابه وعلى رأسهم قمر العشيرة العباس ابن علي الذي قدم نفسه فداء لدينه وأخيه الحسين ، فهذه هي الأخوة الصادقة تتجلى في أرقى صورها الروحية والإيمانية فكان وإخوته قرابين بشرية ليعطوا الحياة معنى الصدق والشرف والأمانة والكرامة وكسر الأغلال التي قطعت دابر البؤس والشقاء لخلق العزة والرفعة إلى البؤساء والفقراء والمظلومين، لتكون هذه الحركة الحسينية أنموذجا حيا في نفوس أولئك المضطهدين والمحرومين في بقاع الأرض وبابا يفتح لؤلئك المتخاصمين والمتباعدين في إعادة النظر وبرمجة علاقاتهم العائلية والاجتماعية إلى ما هو أفضل وأحسن بتقديم التنازلات المتبادلة التي تشق آفة القطيعة إلى الأبد وبدون رجعة، لنهتف جميعا إجلالا وإعظاما بصوت واحد وبأعلى الأصوات لبيك يا حسين في كل زمان ومكان.