أراجيز الطف 24
مثلت أرجوزة الشهيد جعفر بن عقيل بن أبي طالب، في الغاضرية كافة معاني الفخر والشجاعة، وبذل النفس في سبيل نصرة الحق، فهي تتكون من 5 أشطر لا يتجاوز الشطر الواحد 5 كلمات، ولكنها مختصرة وتعطي الهدف والمراد من ارتجالها، حيث تبدأ بالانتساب إلى البطحاء وسيدها أبي طالب بن عبد المطلب، بالإضافة إلى التعريف بالنسب العريق لعشيرة هاشم، فضلا عن الافتخار بالانتماء إلى عشيرة، سادتها من الأقوياء والأشداء في الحروب، بالإضافة إلى ذم الجيش الأموي بالوقوف في وجه سيد الشهداء ، والرغبة في إراقة دمائه، وأخيرا تتضمن الأرجوزة التذكير بالنسب الرفيع إلى العطرة الطاهرة .
ينطلق الشهيد جعفر بن عقيل بن أبي طالب في أرجوزته، من التعريف بمكانته الرفيعة بين العرب، حيث يركز على الانتماء إلى البطحاء في مكة المكرمة، وكذلك جذوره العريقة بالانتساب إلى سيد البطحاء أبي طالب بن عبد المطلب، فهو يعيب على الجيش الأموي الإصرار، على محاربة هذه الفئة، ذات الشرف الرفيع، إذ يقول ”أنا الغلام الابطحي الطالبي“، وبالتالي فإن الأرجوزة تحاول تعرية موقف جيش عمر بن سعد، بواسطة كشف الحقيقة الدامغة، ومحاولة فضح الدعاية الأموية، بخصوص دوافع وأسباب تجيش الجيوش، لقتال سبط الرسول .
بينما يحمل الشطر الثاني من البيت الأول للأرجوزة، تعريفا واضحا لهوية الشاب القادم لقتال الأعداء، حيث يركز على الإفصاح عن اسم العشيرة، من أجل إيصال صورة واضحة للطرف المقابل، خصوصا وأن الجيش الأموي يتكون من خليط غير متجانس، من أصحاب المطامع الدنيوية والغايات الشيطانية، وبالتالي فإن التعريف بالهوية الشخصية يمثل خطوة أساسية، لإعطاء الجيش الأموي فرصة لمراجعة النفس، وعدم الإقدام على إراقة الدماء، بالإضافة لذلك فإن بطولة عشيرة هاشم ليست خافية على الجميع، فالبطولات التي سطرها هؤلاء الأبطال، تتناقل على الألسن في جميع القبائل العربية، حيث يقول ”من معشر في هاشم وغالب“.
ويتضمن الشطر الأول من البيت الثاني من الأرجوزة، الافتخار الكبير بعشيرة بني هاشم، فالسيادة التي احتلتها ليست نابعة من المكانة الكبيرة لرجالاتها، وإنما لامتلاك الكثير من الصفات الحميدة، والتحلي بالشجاعة والبطولة في جميع المواقف، سواء في الحياة الاجتماعية العادية، أو خلال الحروب التي تخوضها، بحيث باتت سيادة بني هاشم من المسلمات باعتراف الجميع، نظرا لوجود أشخاص يمتلكون القدرة على مقارعة الأبطال، فهناك من الأبطال الكبار الذين لا يقلون قوة عن الذئاب في الحروب، حيث يقول ”ونحن حقا سادة الذوائب“.
ويركز الشطر الأخير من البيت الثاني من الأرجوزة، على ذكر بعض صفات سيد الشهداء ، حيث تحمل الكلمات وصفا غاية في الروعة، من خلال استخدام بعض المفردات ذات المغزى الكبير، حيث تحمل في طياتها دلائل كبيرة للغاية، مما يجعل حصرها في بعض المعاني غاية في الصعوبة، فكلمة ”أطيب“ تجر معها الكثير من المعاني، خصوصا وأن الكلمة تعطي بحرا من الدلائل، على الصعيد التطبيقي، فصفة ”الطيب“ تترجم على الواقع العملي في الكثير من الاستخدامات، حيث تتضمن الكرم والسخاء وصفاء القلب والعطف والحنان، وغيرها من المعاني الكثيرة التي تحتويها هذه المفردة، حيث يقول في الأرجوزة ”هذا حسين أطيب الأطائب“، فالوصف الدقيق للإمام الحسين ، يهدف لإيصال رسالة واضحة، بضرورة التفكير مليا في عواقب الجريمة الفظيعة، التي يرتكبها الجيش الأموي.
وفي الشطر الأخير من الأرجوزة، يتناول الشهيد جعفر بن عقيل أبي طالب، إحدى الصفات الكثيرة التي يتصف بها سيد الشهداء ، فهو الشخص المتبقي من أصحاب الكساء، مما يمثل رسالة تحذيرية إلى جيش عمر بن سعد، من الإصرار على ارتكاب هذه الفاجعة الكبرى، خصوصا وأن الإمام الحسين يحتل مكانة كبرى ينبغي تقديرها، وعدم الإقدام على قتله، وذلك باعتباره من ”عترة البر“، فالرسول ﷺ أوصى المسلمين بهذه الكوكبة الطيبة، ”أوصيكم بأهل بيتي خيرا“، حيث يقول في نهاية الأرجوزة ”من عترة البر التقي العاقب“.
وحسب كتب السيرة التي تناولت معركة كربلاء، فإن الشهيد جعفر بن عقيل بن أبي طالب، دخل ساحة الميدان في يوم الطف، وهو يرتجز قائلاً:
أنا الغلام الأبطحي الطالبي
من معشرٍ في هاشمٍ وغالب
ونحن حقاً سادة الذوائب
هذا حسين أطيب الأطائب
من عترة البر التقي العاقب