أراجيز الطف 23
تحتوي أرجوزة الشهيد عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب، في ساحة الطف على 5 ركائز أساسية، فهي تحمل التعريف النسب، والافتخار بالانتماء إلى عشير بني هاشم، وكذلك وصف سادة بين هاشم بالسيادة على الأقران في جميع قبائل قريش، بالإضافة إلى رسم صورة دقيقة لحالة سيد الشهداء ، في تلك اللحظات الصعبة في يوم عاشوراء، فضلا عن حالة موقف معسكر الإمام الحسين في المعركة الربانية، من خلال التعاضد والمساندة بين الشباب وكبار السن.
ابتدأ الشهيد عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب أرجوزته، التي ارتجلها بمجرد النزول في ساحة القتال في يوم عاشوراء، بكلمات قليلة، ولكنها كفيلة بإزالة الغموض عن هوية القادم، لمواجهة الأعداء في المعركة، حيث تضمنت المفردات تعريفا بالذات، من خلال إطلاق اسم والده أمام الأعداء، خصوصا وأن التعريف بالنفس في الحروب، لدى العرب من الأمور المألوفة، فمن جهة للاعتداد بالذات والافتخار بالنسب، والعشيرة التي ينتمي إليها، ومن جهة أخرى لإيصال رسالة واضحة لدى العدو، بمقدار الشجاعة التي يمتلكها، والاستعداد للنزال مع الأبطال دون وجل وتردد، الأمر الذي يسهم في بث حالة من الرعب والخوف في نفوس الأعداء، نظرا للمعرفة المسبقة بالشجاعة، التي تمتاز بها عشيرة بني هاشم، والصيت الكبير لأبطالها في كافة الحروب السابقة، حيث يقول في مستهل الأبيات ”أبي عقيل فاعرفوا مكاني“.
بينما يحمل الشطر الثاني من البيت الأول من الأرجوزة، كلمات واضحة بخصوص العشيرة التي ينتمي إليها، فقد أماط اللثام عن اسم العشيرة أمام الأعداء، مما ساهم في تعريف الجيش الأموي بهوية المقاتل القادم، وكذلك والده وعشيرته، خصوصا وأن صيت بني هاشم ملأ الدنيا، مما يقطع الطريق أمام الغموض والحيرة، التي تنتاب عشرات الألوف من جيش بن زياد، في الاستفسار عن هوية البطل القادم للقتال، فالشطر الثاني يقول ”من هاشم وهاشم إخواني“، فالكلمات القليلة في الشطر الثاني، تحمل رصيدا هائلا من الفخر، بالانتماء لهذه العشيرة، من خلال التركيز على ”وهاشم إخواني“.
ويركز الشطر الأول من البيت الثاني من الأرجوزة، على صفات سادة عشيرة بني هاشم، حيث يمتاز سادة العشيرة بالسيادة على مختلف العشائر العربية، وكذلك كونها مصدر ومنبع مكارم الأخلاق، حيث تأتي صفة الصدق في جميع الأمور، إحدى مكارم الأخلاق المتجذرة في بني هاشم، مما يرفع من شأن العشيرة أمام كافة العشائر العربية الأخرى، سواء في قريش أو غيرها من العشائر، المنتشرة في جزيرة العرب، الأمر الذي يفسر احتلال الزعامة على تلك العشائر، حيث تمتاز عشيرة بني هاشم بصفات عديدة، وكثيرة ساهمت في تعزيز زعامتها على الجميع، إذ لا يمكن مقارنة سادة بني هاشم بغيرهم على الإطلاق، وبالتالي فلا وجود لزعامة قادرة على مقارنة سيادة بين هاشم، مهما حاولت العشائر الأخرى تهيئة زعامات، للوقوف أمام سيادة بني هاشم، حيث يقول في الشطر الأول من البيت الثاني ”كهول صدق سادة الأقران“.
وينتقل الشهيد عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب، في الشطر الأخير من البيت الثاني، إلى وصف حالة سيد الشهداء في يوم عاشوراء، حيث تقدم تلك الكلمات القليلة صورة رائعة، لثبات وصلابة الإمام الحسين ، على الرغم من قلة الناصر، وتساقط الشهداء الواحد تلو الآخر، حيث تكشف المفردات التي لا تتجاوز 4 كلمات حالة الشموخ والعزة، لدى الغريب في يوم الطف، فقلة الناصر وسقوط الأنصار شهداء، لم تفت من عضد ورباطة جأش غريب كربلاء، فالشموخ يشكل السمة البارزة لدى سيد الشهداء، الأمر الذي يكشف الثبات على المبدأ، والاستعداد للتضحية بالنفس، فالشطر الأخير من البيت الثاني يختصر الكثير من الكلمات، ويكشف عن قدرة فائقة في نقل إحدى الصور الكثيرة من صورة مواقف الإمام الحسين ، أمام هول المصاب في يوم عاشوراء، إذ يقول ”هذا حسين شامخ البنيان“.
فيما يتحدث الشطر الأخير من الأرجوزة، عن حالة التعاضد والمساندة، في جيش سيد الشهداء عند مواجهة الجيش الأموي، حيث يتجلى في ثبات كبار السن مع الشباب، والتسابق إلى الشهادة في الدفاع عن الإسلام ورفض الاستسلام والصمود على الموقف حتى الموت، فالتعاون والتعاضد يمثل حالة طبيعية للجماعة، التي تمتلك القيم الفاضلة والأخلاق الحميدة، بينما التنافر والتحارب سمة الجماعات الخارجة عن القيم الإسلامية، حيث يمثل الغدر والتفرقة أبرز تلك الصفات السيئة، وبالتالي فإن الاختلاف الكبير بين المعسكرين في الامتثال للأخلاق الحميدة، يكشف الفريق السائر على الحق، والآخر الخاضع للباطل، حيث يقول في الشطر الأخير ”وسيد الشيب مع الشبان“.
وتنقل الكتب التاريخية، إن عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب ارتجز أثناء نزوله ساحة المعركة لمواجهة الجيش الأموي:
أبي عقيل فاعرفوا مكاني
من هاشم وهاشم اخواني
كهول صدق سادة الأقران
هذا حسين شامخ البنيان
وسيد الشيب مع الشبان